عائلة ’فيسبوك‘.. مرحباً بك في ملاذ الأسر التائهة!

آل السيد فيس

كتب أحمد العلياوي:

تنتسب جملةٌ من البيوت إلى الفيس بوك، بوصفه عالمهم الفسيح، الذي يلبِّي لهم وجودهم الافتراضي الذي لم يجدوه في العالم الواقعي.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 

يفترض هؤلاء أن الفيس بوك جامعهم الكبير، لأنه يحقِّق لهم مزيّة التواصل أو التقاطع، البر أو العقوق، التوافق أو الاختلاف، فهم يعيشون فيه حياتهم مكشوفةً أمام القرّاء وكأنهم في غرفة النوم.

ويجد أبناءُ الفيسبوك فيه، كبيرهم الذي علَّمهم السحر، فهم يمرحون فيه، تحت ظلِّه المبارك، بوصفه جدّهم الذي يلّم شتاتهم، وتفرّقهم، ليظهروا أمام المتابعين، وكأنهم على وفاقٍ تام، وتكاتفٍ ملهِم، بعد أن منحهم السيد فيسبوك، بركته الموهومة، فتباركوا بها عُراةً، يؤازرُ بعضهم بعضاً، بتعليقٍ أو إعجابٍ، ليشهدوا على أنفسهم بالخواء والهزال.

إن نظرةً فاحصةً للأسر الفيسبوكية، لتُريكَ عجباً، وأنت ترى تنافر أبنائها في الواقع، وترابطهم في الفيسبوك، وخلوّهم من الارتباط الوجداني، والقيمي، في الحياة اليومية، ومحاولاتهم التظاهر بالامتلاء، في فراغاتِ الفيسبوك كتابةً وتعليقا.

إن واقع الفيسبوك ليشهد على لاواقعية وجودهم انتساباً إليه، وكأنه الأب أو الجدّ الذي يرجعُ إليه النبلاءُ في المشورة والرأي والالتزام والاجتماع.

وإن الفيسبوك نفسه، لا يعرف كيف يتناسل العصابيون منه، تناسلاً سريعاً، ويتكاثرون على حلوى التنابز، والخصومة، ذباباً بشرياً، متواصل الطنين.

إن الانتساب إلى الفيسبوك، ملاذُ الأُسر التائهة، الضائعة، التي لاتجد لها كبيراً، يحيطُها علماً، وحلماً، وحزماً، وقولاً فصلا.

إن مجتمعنا ليعاني من مخلَّفات الإنسان المتقدِّم فيسبوكياً، لكنه المتخلِّف إنسانياً، والمنحدر أخلاقياً، حين يُحسن استعمال صفحة الفيسبوك، ويُسيء استعمال عقله، منفصلاً عن الذاكرة، والذات، والقيم العليا.

إننا أمام أسماء، وصور، لصفحات مسكونة بالخرافات، والنمائم، والشتائم، والمساوئ، ماظهر منها ومابطن، ليتحوّل العالم إلى صحراء، من رمال متحرِّكة، تتقلَّب فيها الوجوهُ، والأفعالُ، مثل تقلُّب تلك الرمال.

إننا إزاء اختبار جديد، ونحن نعيشُ مع انهيار الأُسر في الواقع، وتحوّلها إلى أُسر افتراضية، لاتعدو أن تكون صفحةً إلكترونية، من السهل استبدالها، أو تغييرها، إنهُ عالمٌ مجانيٌّ خاسرُ بامتياز.