لماذا تفشل بعض الأمهات في احتواء بناتهن؟

يقول المثل الصيني: “جيل واحد يزرع الأشجار، وآخر يحصل على الظل”! هذه هي العلاقة الطبيعية بين الأم وابنتها، قد تكون هذه العلاقة مربكة في بعض الأحيان ومتذبذبة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وقد تخرج عن المألوف أحيانًا بحيث تكون الأم هي الصديقة المقربة لابنتها وتشاركها الاستماع والاهتمام والتعاطف، لكن علاقة الأم والابنة لها خصائص فريدة تميزها عن أفضل صداقة، وأهمها دور الأم كمسؤولة عاطفية أساسية عن ابنتها، وهذا يعني وجود تسلسل هرمي للمسؤولية التي تكون مقرونة بالحب غير المشروط، وهذا بطبيعته يمنع الأمهات والبنات من أن يصبحن أفضل الأصدقاء.

فالأصل في الصداقة هو المساواة، ولا يمكن أن تتساوى طبيعة الأم مع طبيعة ابنتها، ولهذا تظلّ علاقة الأم وابنتها محور اهتمامٍ كبير، ويضعها الناس تحت المجهر في معظم الأحيان كي يتعرفوا إلى طبيعة الأم والابنة وما إن كان هناك انسجامٌ بينهما أم لا، خاصة أن الناس يرون في الابنة انعكاسٌ لشخصية الأم.

أسباب تمنع الصداقة بين الأم وابنتها

تتصف العلاقة بين الأم وابنتها بتوتر كبير في بعض الأحيان، فتعجز الأم عن احتواء ابنتها وفهمها، كما تعجز الابنة عن استيعاب ما تُريده أمها، مما يخلق حالة من غياب الثقة وعدم التفاهم، ولعل من الأسباب:

1- عدم تقبل الأم صفات ابنتها وطريقة تصرفاتها، وعدم تقبل الابنة لطريقة أمها في التعامل، دون محاولة تقريب وجهات النظر.

2- عدم قدرة الأم على التخلي عن القيود الصارمة التي تضعها في دورها كأم.

3- عدم وجود ألفة طبيعية وحب في جو العائلة العام، مما يجعل الجو العائلي غير مشجع على نشوء علاقة صداقة بين أفراده.

4- تمييز الأم لأبنائها الذكور على الإناث، وهذا يبدو شائعًا في بعض المجتمعات، خاصة إذا كان عدد الإناث في العائلة أكثر من عدد الذكور.

5- تمسك الأم بالموروثات والتقاليد والعادات السيئة التي تجبرها على التقيد بأنماط تربية غير مقبولة من قبل أبنائها.

6- افتقار الابنة إلى الطريقة العاطفية والداعمة في تعاملها مع أمها! وهذا الشعور يُصيب الفتيات في سن المراهقة بشكلٍ كبير.

7- عدم معرفة الأم طريقة التعامل الصحيحة مع انفعالية ابنتها في هذه المراحل الحساسة من عمرها

8- مرور الابنة في فترة عمرية حرجة وهي سن المراهقة حيث تواجه علاقة الأم وابنتها في هذا العمر الكثير من المد والجزر، وقد تصبح سيئة إلى أبعد حد وتراود الابنة أفكار معينة كأن تعتبر أن أمها تتدخل في شؤونها أو أنها لا تحبها.

9- انشغال الأم عن ابنتها في شؤون الحياة وعدم قدرتها على التواصل المستمر معها، مما يسبب فجوة كبيرة ببنهما.

تعزيز صداقة الأم مع ابنتها

يُمكن للأم أن تكون صديقة لابنتها أو على الأقل قريبة جدًا منها إذا حرصت كلٌ منهما على أن تكون علاقة الصداقة ناجحة وضمن إطارها الطبيعي والمنطقي، تُشير الدكتورة لوسي روز فيشر أستاذة العلاقات الأُسرية إلى أن الأم تكون صديقة لابنتها إذا تحققت خمس شروط أساسية في العلاقة وهي:

1- مشاركة الابنة تفاصيل حياتها مع أمها بشكلٍ كبير، مع الحفاظ على وجود الثقة المتبادلة.

2- الحفاظ على الموضوعية والواقعية في علاقة الأم بابنتها، والحفاظ على الاحترام المتبادل والثقة.

3- الحفاظ على مساحة خاصة منفصلة للابنة.

4- تقدير الأم لاستقلالية ابنتها في اتخاذ القرارات، وعدم فرض رأيها عليها بالإكراه.

5- عدم اعتماد الابنة على الأم بشكلٍ مفرط، فتقل الصدمات المحتملة وتتقارب وجهات النظر.

6- قيام الأم بحلول عملية مع ابنتها كي تكسب ثقتها كأن تحرص على معرفة جميع صديقاتها وبناء علاقة طيبة معهن بحيث تشعر الابنة أن أمها تهتم بجميع شؤونها وعلاقاتها.

7- الحفاظ على الحوار الدائم بين الأم وابنتها بحيث يكون هذا الحوار مبنيًا على الثقة والاحترام.

مما لا شك فيه أنّ الفارق العمري بين الأم وأبنائها يجعل التفكير بينهم مختلفًا، إذ إن الأم تعيش في مرحلة مختلفة عن المرحلة العمرية لأبنائها وبناتها، وربما تجد نفسها مضطرة أن تُساير أعمارًا مختلفة داخل أسرتها، خاصة إذا كان هناك فرق واضح في العمر بين الأبناء، تشير الباحثة الدكتورة كارين إل فينجرمان إلى أنّ فرق العمر بين الأم وابنتها قد يُشكل نقطة ضعف ويُحدث فجوة في العلاقة بينهما، لهذا يتعين على صداقة الأم وابنتها تحدي العمر والتحلي بمرونة في التعامل والتفكير للوصول إلى التفاهم والثقة المطلقة ولسد الفجوة بين الأم وابنتها، وسيلعب التقارب البيولوجي بينهما دورا كبيرا في تقريبهما لاشتراكهما في الطبيعة الأنثوية.

وجهة نظر معاكسة!

ومن وجهة نظر أخرى يقول الدكتور إيلي كينيدي مور المتخصص في العلاقات الأسرية: “الصداقة تعني وجود علاقة بين أنداد، فالأمهات والبنات ليسا متساويين”. هذا يعني أنّ الأبوة والأمومة تتطلب وضع الحدود وتطبيق القواعد حتى يظل الأبناء آمنين، ويُشير كينيدي مور إلى أن “معاملة أطفالنا كأقران يمكن أن تعني التخلي عن مسؤوليتنا كآباء لوضع توقعات وحدود معقولة، إذا تعاملنا مع أطفالنا كأقران، فمن الصعب الإصرار عليهم للقيام بواجبهم المنزلي وتنظيف غرفهم وعدم البقاء في الخارج طوال الليل وتركهم هواتفهم المحمولة وقت النوم”. لذلك يرى كينيدي مور أنّه لا بدّ من رسم علاقة واضحة بين الأم وأبنائها عمومًا كي لا تحدث تجاوزات من قبلهم! وهذا يعني أن تكون هذه الصداقة بين الأم وابنتها ضمن حدود بحيث تُشارك الأم ابنتها في مشاهدة فيلم ما وفي التسوق والضحك ومشاركة الأسرار، باحتفاظها الحق في توجيهها.

في نهاية الأمر، قد يبقى الأصدقاء وقد يذهبون، لكن علاقة الام وابنتها دائمة، حتى لو لم يكن بينهما صداقة أو أسرار، لهذا فهذه العلاقة أكثر حميمية وأشد حدة من أي علاقة أخرى، ومن الضروري الحفاظ على التسلسل الهرمي فيها حتى لا تشعر الابنة بالمسؤولية عن رفاهية والدتها والعكس أيضا العاطفية لأنّ هذا يثقل كاهلهما كثيرًا، فعلاقة الأم والابنة أشمل بكثير من أفضل صداقة ولا يمكن استبدالها بأي علاقة لتفوقها دائمًا على أيّ صلة أخرى لذا، لا ينبغي أبدًا أن تتعامل الابنة مع الأم بنفس الطريقة التي تُعامل بها صديقتها، بل بقدسية أكبر واحترام أكبر وثقة أعمق، وفي الوقت نفسه لا يمكن للأم أن تكون متساهلة من حيث القواعد والتوجيهات كالصديقات.