فساد وإهمال: ثروة عظيمة من خيانة المجتمع!

خيانة مجتمع!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

للأسف فإن بلادنا المسلمة أصبحت مضرب المثل في الفساد الاداري، والذي هو تعبير في غالبه عن خيانة العاملين لمقتضى الأمانة في أعمالهم.. فترى لهذا السبب ما أن تهطل السماء برشة مطر حتى تظهر الفضائح، وإذا بالميزانيات المليارية ـ لا المليونية ـ تتكشف عن أوضاع بائسة!

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وبمقارنتها ببلاد أخرى تجد أنها لم تصرف على مشاريعها حتى عشرة بالمائة مما أنفق في بلادنا المسلمة، ومع ذلك تتعايش مع المطر طوال السنة من دون مشكلة! لصدق العاملين وشدة الرقابة على التنفيذ! ونحن تتحول الأحياء إلى بحيرات، والشوارع السريعة إلى سيول وتجرف المنازل!

وأمر مدراء المؤسسات والمراكز والشركات أكثر تعقيدًا، لأن امكانات الخيانة وفرصها كبيرة جدًا، والقدرة على التستر أسهل إلا من عصم بدين و(خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) أو ضمير يقظ، وعرف أن سمعته الأخلاقية، هي قيمة الحياة التي ترخص دونها مئات الملايين، وأنه لا يستطيع أن يتصور نفسه يومًا ما قد قبض عليه بتهمة الخيانة لمنصبه أو المال، وأنه يقف أمام القانون لمواجهة الحكم عليه!!

إن إمكانات الخيانة من جهة وسهولة التستر عليها لعدم وجود جهات تفتيش أو عدم جدية الموجود بل وكون السرقة والاستحواذ هي القاعدة التي يتعامل بها عادة من (هم فوق / أو واصلون) وأنه لا بد أن يمشي مع هؤلاء (فيأكل ويوكّل غيره) من المال العام، هذا كلها يجعل من اليسير على البعض استمراء الخيانة والتعود عليها حتى لو كان أول أمره مستقيمًا!

لقد نقل أحدهم عن بلد مسلم أنه كان في مدينة منه مستشفى ولأسباب مختلفة تصدع هذا المستشفى ولم يعد صالحًا للعلاج، وأفرغ من أطبائه وأجهزته، ولم يعد يستقبل المرضى! إلا أنه بعد اثنتي عشرة سنة من هذا التاريخ لاحظ أحد أبناء تلك المدينة ـ وعن طريق الصدفة ـ أن ميزانية هذا المستشفى كان لا يزال يستلمها المدير من الدولة، ويقدم قوائم برواتب للأطباء، والممرضات، وشراء الأجهزة! وتكاليف سيارات النقل والاسعاف.. وغير ذلك مما يعد بالملايين خلال هذه السنوات، والحال أن المستشفى لم يكن فيه أحد خلال هذه المدة! وكل سنة يستلم ذلك المدير ميزانيته عدًّا ونقدًا! فيأكل في بطنه من تلك النار والحرام!

وفي بلد مسلم آخر، أزكمت الأنوف رائحة ما سمي بفضيحة السونارـ إن صحت ـ وذلك أنه مع تصاعد التفجيرات في ذلك البلد كانوا يحتاجون لجهاز يدوي يكشف وجود متفجرات في السيارات العابرة، وطريقة عمله أنه مع وجود (أو الاشتباه بوجود) متفجرات في السيارة يعطي إشارة بميلان الهوائي إلى جهتها، وقامت جهة بعقد صفقة مع شركة غير معروفة، وفي المقابل استلمت نصيبها الخاص من الشركة تلك في مقابل ارساء الصفقة معها، ليكتشف بعد عدة سنوات، وبعد أن تزايدت التفجيرات مع مرور السيارات المتفجرة من نفس هذه النقاط! ليكتشف بعد ذلك أن هذا الجهاز لا يعدو لعبة من الألعاب، ولا يكتشف شيئًا! وأنه لا يساوي عشر معشار القيمة المحسوبة له.

إن هذه الخيانة لم تكن ذات بعد واحد وهو البعد المالي، وإن كان حراما إلا أن فيها بعدا أعظم وهو فقدان المئات من المسلمين حياتهم، على أثر دخول السيارات المفخخة التي لا يكتشفها ذلك الجهاز المغشوش وموت هؤلاء الضحايا المطمئنين إلى أن منطقتهم منطقة آمنة!! ولا ريب أن من غش في هذا وخان الأمانة وأكل المال الحرام بسبب ذلك سيوقف على منصة الحساب الالهي يوم القيامة!

والخيانة في العمل قد تصعد خطورتها إلى مستوى فقد الأبرياء لحياتهم أو أعضائهم أو أموالهم، مثلما لو كان مهندس يغش ويخون في المقادير لكي يوفر على نفسه أو على من يتفق معه، ويربح من الأمراض الاخلاقية: نظرة جديدة في

وراء ذلك مقدارًا من المال، فيكتب التقرير أو يمضي العمل، حتى لا تمضي غير فترة قصيرة، ينتهي الأمر بالبناية أو البيت أن يسقط على رؤوس ساكنيه!

والمشكلة الأكبر في تقديرنا ليست هي الخيانة والسرقة فقط، وإن جلت وعظمت، وإنما بالإضافة لذلك هي ثقافة مدح الخيانة.. طبعا لا يقوم أصحابها بالقول إن الخيانة حسنة! فلا أحد يقبل ذلك! وإنما يغيرون عنوانها، فيقال هذه شطارة.. ويقال لصاحب المنصب الجديد: خليك شاطر! او تعلّم من أين تؤكل الكتف! وأن فلان استطاع خلال فترة قصيرة أن يصنع له ثروة عظيمة! وفي هذا من التلميح ما يغني عن التصريحات!

مع أن تغيير العنوان لا يغير من الواقع شيئًا، الخيانة وأخذ ما ليس بحق يبقى خيانة وسرقة وأمرًا محرمًا، ولو وضعت عليه عشرات اللافتات! وأكل الكتف إن كان حلالًا ومن مالك فهو ممدوح! وإن لم يكن كذلك فهو عمل محرم وقبيح وسرقة.. ولا يختلف عن عمل اللصوص في شيء! وبناء الثروة إن كان من خلال الجهد والكسب النظيف فهو ممتاز ويثنى على صاحبه ويقدم كنموذج، وأما لو كان بالطرق الملتوية، والدروب المحرمة، وأكل ما ليس بحق فهو كسابقه في الحرمة واللصوصية!

هل من الممكن أن نتورط في خيانة الأعمال مع أننا لسنا مدراء ولا أصحاب شركات ولا وكلاء تسويق؟

 الجواب: نعم! كل شخص من الممكن أن يكون وفيًا بعقده مع جهة عمله ومن الممكن أن يكون خائنًا! فإذا كان الاتفاق بيني وبين جهة عملي أن أكون في محل الدوام والعمل ما بين الثامنة صباحًا إلى الثانية ظهرًا.. لكني آتي للعمل في التاسعة وأخرج بعد الصلاة في الثانية عشر لجلب الأولاد من المدارس ثم حيث لم يبق إلا القليل من الوقت لا يستحق الأمر الرجوع إلى مقر العمل، فأتركه.. هذا مع تخلل وجبة الافطار والشاي وما يتبع ذلك أثناء هذه الفترة ولا ينسى أيضًا فترة الصلاة وما قبلها من الاستعداد لها! سوف ترى أن هذا الإنسان لا يفي بأكثر من 50% من عقد عمله! ومع ذلك يريد أن يستلم راتبه كاملًا ولو نقص منه ريال واحد أقام الدنيا ولم يقعدها!

ألا يعد هذا من خيانة العهد والعقد الموقِّع؟ وخصوصا إذا كان الأمر يرتبط بإنجاز حاجات المسلمين وقضاياهم!

إن مثل هذا بحسب القواعد لا يأكل ماله بالحق وإنما يأكل بالباطل. والقرآن الكريم يقول (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ). والأعجب حين يتصور هذا الموظف نفسه متفضلًا على من يراجعه، بأنه سينجر معاملته! والحال أن من يراجعه هو المتفضل عليه، فلولا حاجات الناس هذه لما كان لهذا الموظف عمل يدر عليه المال، ويحميه من البطالة! وأقرب كلمة على لسان البعض منهم: راجعني غدًا. أو بعد اسبوع! مع أنه لا يحق له ذلك شرعا! الواجب عليه أن يؤدي عمل هذا المراجع ما دام ليس مشغولًا بعمل أسبق منه أو أهم منه! وأما لأنه لا يريد اليوم إنجازه وإنما يريد فعل ذلك غدًا مع وجود وقت لديه، وإمكانية في القيام به، فهذا أيضًا يحرم عليه! وهو خيانة للعقد الموقع بينه وبين طرف العمل.

وللأسف نلاحظ هذه العادات السيئة عند بعض الموظفين! وكأنه يمن على من يراجعه عندما يقوم بعمله! أو حتى يطلب من بعض الناس مالًا في مقابل القيام بذلك العمل! فإنه يأخذ هذا المال حرامًا وسحتًا!

المصدر: كتاب الأمراض الاخلاقية: نظرة جديدة في عوامل السقوط