صبر الزوجين: لن أُصلِح حالي ما لم تصلح «زوجتي» حالها معي!!

بما أن هناك دائماً علاقة مالية بين الإنسان وبين من يعمل لديه، سواء كان عاملاً أو موظفاً أو خادماً؛ فليتوخ الحذر في التعامل معهم، لأن الروايات تتحدث عن عقوبات مغلظة لمن يظلم أجيره، كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: (.. ولعنة اللّه، وملائكته، والناس أجمعين، على من ظلم أجيراً أجره).. وكذلك من مصاديق الحقوق المتبادلة؛ حقوق الزوجين.

أولاً: إن المشكلة عند بعض الأزواج تكمن في أنه لا يصلح أمره مع زوجته، إلا إذا هي أصلحت أمرها معه، ولا يكون باراً إلا إذا كانت هي بارة!.. والحال أن هذا المنطق فاسد، يجب الابتعاد عنه؛ لأنه على الإنسان أن يكون صالحاً لوجه الله تعالى، فهذه وظيفته عليه أن يؤديها على أكمل وجه!.. فإن لم يقدّر الطرف الآخر ذلك؛ ما عليه إلا أن يفوّض أمره إلى الله عز وجل، ولا ينسى أن "ما كان لله ينمو".

ثانياً: إن الروايات تذكر الطرفين؛ أي: الزوج الذي يصبر على أذى زوجته، والزوجة التي تصبر على أذى زوجها.. فهذا الصبر لا يذهب سدى؛ بل لكل منهما بشارة.. وهذا ليس كلاماً شاعرياً، بل ورد في روايات المعصومين (عليهم السلام)، ومنها هاتان الروايتان اللتان يذكرهما العلامة المجلسي في كتاب البحار:

1. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (مَن صَبَرَت عَلى سوءِ خُلُقِ زَوجِها؛ أعطاها مِثلَ ثَوابِ آسِيَةَ بِنتِ مُزاحِمٍ).. فآسيا لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا: بعبادتها، وإيمانها بالله عز وجل، وأيضاً بصبرها على أذى زوج كفرعون.. لذا، كانت تدعو ربها قائلة: (وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ).. فالمرأة التي تصبر على سوء خلق زوجها؛ لها أجر!.. ولكن ليس نفس أجر آسيا؛ فشتان ما بين أذى فرعون وبين أذى الزوج المؤمن!.. وإنما في هذا السياق، إذ يكفي أن تكون هذه المرأة في منطقة في الجنة، هذه المنطقة فيها نساء العالم الأربع: آسيا، ومريم، وفاطمة الزهراء، وأمها خديجة؛ ألا يكفي هذا فخراً!..

2. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (مَن صَبَرَ عَلى سُوءِ خُلُقِ امرَأتِهِ واحتَسَبَهُ؛ أعطاهُ اللّه‏ُ تعالى بكُلِّ مرة يَصبِرُ علَيها مِنَ الثَّوابِ، ما أعطى أيُّوبَ (عليه‏ السلام) عَلى بَلائهِ.. وكانَ علَيها مِنَ الوِزْرِ في كُلِّ يَومٍ ولَيلةٍ؛ مِثلُ رَمْلٍ عالِجٍ)..

-(مَن صَبَرَ عَلى سُوءِ خُلُقِ امرَأتِهِ).. إن الحياة اليوم فيها: إما زوجة صابرة، أو زوج صابر.. ومن الغريب أنه مع رفاهية العيش، وتيسر الأمور؛ إلا أن الخلافات هذه الأيام لا تقاس بالأزمنة القديمة قبل خمسين أو ستين سنة، حيث كان يُعتبر الطلاق حدثاً مهماً في المجتمع!.. أما هذه الأيام: فإنه في أسابيع الخطوبة، والأيام الأولى للزواج أو ما يسمى بـ"شهر العسل" يقع الانفصال؛ وبات هذا الأمر طبيعياً!..

-(واحتَسَبَهُ).. أي قال: يارب، اجعله في حسابك، أنا أصبر طلباً لما عندك.

-(أعطاهُ اللّه‏ُ تعالى بكُلِّ مرة يَصبِرُ علَيها مِنَ الثَّوابِ، ما أعطى أيُّوبَ (عليه‏ السلام) عَلى بَلائهِ).. أيوب (عليه السلام) ابتلي ببلاءات عظيمة، ابتلي: في أهله، وفي زوجته، وفي ماله.. فالذي يصبر على أذى زوجته؛ له مثل هذا الأجر!..

إصلاح الأمر..

أولاً: إن بعض الأزواج يفرح كلما غضبت عليه زوجته؛ لأنه يقترب من نبي الله أيوب (عليه السلام)؛ ولأن له أجراً عظيماً في ذلك اليوم!.. ولكن هذا لا يغني عن السعي لإصلاحها، فليس من الصحيح أن يدعها تموت غيظاً؛ بل لابد أن يصلح أمرها، ولكن بلا توتر.

ثانياً: إن الذي يصبر على أذى زوجته ويعالجها؛ هو بمثابة إنسان يعالج مريضاً.. هذا المريض بعض الأوقات يقوم بضرب من يعالجه لشدة وجعه، ولكن المُعالِج يتحمل تلك الضربات منه، وفي نفس الوقت يقوم بعلاجه.. أو كإنسان شبه مجنون، أو مصروع.. هكذا يجمع الإنسان بين الصبر، وإصلاح الأمر!..

حقوق الزوجين..

إن روايات أهل البيت (عليهم السلام) مستوعبة لشؤون الحياة، لم تدع شيئاً لم تذكره، ومنها هذه الروايات:

1. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أعظم الناس حقّاً على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقّاً على الرجل أمُّه)!..

-(أعظم الناس حقّاً على المرأة؛ زوجها).. إن الزوج هو أعظم الناس حقاً على المرأة!.. لم يقل: لا أبوها، ولا أمها.

-(وأعظم الناس حقّاً على الرجل؛ أمُّه).. إن أم الإنسان هي أعظم الناس حقاً على الرجل!.. لم يقل: زوجته.

فإذن، إن هذه الرواية غريبة تعكس الموازين: فأعظم الناس حقاً على الرجل؛ هي أمه!.. ولكن في الجهة المقابلة أعظم الناس حقاً على المرأة ليس أمها؛ بل زوجها!.. وكأن الزوج له ما للأم وزيادة!..

2. روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (.. ألا وإنّ الله عزَّ وجلّ ورسوله؛ بريئان ممّن أضرَّ بامرأة حتى تختلع منه..).. إن الطلاق هذه الأيام على قسمين: طلاق رجعي، وطلاق خلعي.. والطلاق الخلعي هو أن يجبر الرجل زوجته على دفع أموال مقابل طلاقها، وذلك بأن يقوم بكل ما من شأنه أن يجعلها كارهة للعيش معه!.. إن هذا التصرف هو من أسوأ المؤامرات -إن صح التعبير- لأنه يريد أن يأخذ مالها، ويسرحها، ويفصلها عن أولادها؛ والحال بأن الله عز وجل مطلع عليه..

-(.. ألا وإنّ الله عزَّ وجلّ ورسوله؛ بريئان).. إن الله عز وجل بريء من المشركين، والرسول بريء منهم أيضاً!..

-(ممّن أضرَّ بامرأة حتى تختلع منه..).. ولكن الله عز وجل والرسول (صلى الله عليه وآله) بريئان في هذا المقام من الذي يؤذدي زوجته، ويعلقها إلى أن تمل هي من حياتها، فتطلب الطلاق خلعاً.. هكذا إنسان رب العالمين ورسوله؛ بريئان منه!..

3. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ما زال جبرائيل يوصيني بالمرأة، حتى ظننتُ أنه لا ينبغي طلاقها، إلا من فاحشةٍ مبيّنةٍ)!..

-(ما زال جبرائيل يوصيني بالمرأة).. إن الطلاق في الشريعة، كما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) وعند كل الأمم العاقلة؛ هو هدم للبنيان.. يمكن تشبيهه بإنسان في منزله زاوية فيها رطوبة، أو فيه جحر فأر، وإذا به يذهب إلى بعض الشركات المختصة، ويطلب منهم هدم ذلك المنزل!.. فهل الإنسان الذي يُقدم على هكذا تصرف؛ هو إنسان عاقل؟.. وإذا سُئل عن السبب، ألا يُقال له: اذهب وعالج المشكلة؛ فإن هذا البيت لا يهدم لمثل هذه الأسباب!.. الطلاق هكذا؛ يهتز له العرش!..

-(حتى ظننتُ أنه لا ينبغي طلاقها، إلا من فاحشةٍ مبيّنةٍ).. إن البيت لا يُهدم إلا عندما تنهار أعمدته، أو عندما تكون مبنية على أساس رملي، لا على أساس إسمنتي؛ لأنه يصبح خطيراً!.. لذا، فإنه عندما ترتكب المرأة الفاحشة، لابد عندئذٍ من هدم هذا البنيان!.. ولكن في غير هذا الوجه، لا يستحق الأمر هدمه، ويا ليته بنيان صغير!.. فالشاب في بداية زواجه، هو كالإنسان الذي يملك غرفة واحدة، ولكن بعد سنوات يصبح وراءه عدد من الأولاد، أي أن هذا البيت صار كبيراً، فيه غرف وصالات؛ فكيف يمكن للإنسان أن يهدم هذا البيت على رؤوس أصحابه؟.. بعض المؤمنين يخاف على سمعة أولاده، إن أقدم على طلاق زوجته؛ وخاصة إن كان السبب أخلاقياً!.. لأنه في مثل هذه الحالة لا أحد يتقدم لخطبة ابنته، إذا هتكت بهذه الطريقة!.. ولكن بعض الناس يفكر في نفسه، لذا فإنه يطلق زوجته، ولا يهمه ما يحصل بعد ذلك!.. علماً بأن تبعات الطلاق تبقى لعدة سنوات، وفي بعض الحالات يكون الآباء هم السبب في سوء سمعة بناتهم!..

4. عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): (قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ: إِنِّي أُحِبُّكِ؛ لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً)؛ إنها رواية جميلة، والرجال هم المخاطبون بها!.. فالنساء توقعاتهن بمعنى من المعاني قليلة، لذا من يطبق ما جاء في هذه الرواية، ويمنع عن زوجته الهدايا والذهب؛ فإن الحياة تمشي!.. ولكن إن منعها ذلك؛ فإنه لو أعطاها ذهب الدنيا؛ لا ينفعها!..

-(إِنِّي أُحِبُّكِ).. إن هناك -هذه الأيام- يوماً في السنة يسمى: "عيد الحب"، ولكن في الإسلام كل يوم هو يوم حب.. إنهما كلمتان لا تحتاجان إلى مبلغ كبير، ولا إلى رأس مال، ولا إلى شراء من السوق!..

-(لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً).. إن الرواية لم تقل: قول الرجل للمرأة كل يوم: إني أحبك.. بل مرة واحدة، ولكن بصدق لا بتمثيل؛ لأن النساء ذكيات يفرّقن بين التمثيل والواقع.. إذا قال الرجل: إني أحبك -في العمر مرة واحدة- الرواية تقول: (لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً)؛ فكيف إذا كان يقول: إني أحبك؛ كل يوم لا بقوله بل بفعله؟!.. إن هذه المرأة ستصبح أسيرة لديه، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحدٍ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)؛ تتحول المرأة إلى خاتم في اليد، ولكن الرجال لا يعلمون من أين تؤكل الكتف!.. أما الذي يعلم؛ فإنه يريح نفسه، ويريح زوجته!..