متزوجون ولكن: كيف نواجه ’الطلاق الصامت’ بين الزوجين؟!

تعيش حالة من الانفصال داخل بيت من المفترض أنه عش الزوجية والذي لا يربطها بزوجها فيه أي علاقة سوى محادثات ورسائل عن طريق «الواتس آب»، تتعلق بتنفيذ طلب ما أو تذكير بدفع فاتورة أو لسداد قسط مدرسي خاص بأحد الأبناء، تلك هي الأجواء داخل المنزل الذي قرر طرفيه الأساسيين أن يعيشا تحت سقف واحد دون أن يكون هناك أي نوع من التواصل منذ أكثر من 3 سنوات، بعد أن زادت الخلافات وتأصلت مشاعر النفور تجاه بعضهما بشكل أدى إلى عدم قدرتهما على أن يقيما علاقة طيبة قوامها العطف والود والوصال، لتكون المحصلة معاناة مزدوجة للأم والأبناء.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

في السطور التالية نناقش مع المختصين من علماء الاجتماع والمعنيين بحل الخلافات الأسرية أسباب قبول الزوجين لهذا النوع من العلاقات:

التراكمات النفسية والضغوط اليومية

هند البدواوي المستشارة النفسية والأسرية، تقول: الانفصال العاطفي بداية الطلاق الصامت الذي يسبق الطلاق الفعلي، وهو عبارة عن ردة فعل عكسية لمشاعر الزوجين اللذين اقتصرت الحياة بينهما على التواصل المكاني فقط، من أجل أداء المهام المخولة لكل واحد منهما، ويرجع السبب في تلك الإشكالية إلى التراكمات النفسية والضغوط اليومية مع ضعف قدرة الطرفين على مواجهة المشكلات وفشل تحقيق التوازن بين الاحتياجات والإمكانات، وهناك حالات قد يكون عدم توافر ما يطمح له الزوج أن يجده في شريكة حياته سبباً لإحداث الفجوة بينهما ومن ثم الوقوع في براثن الخيانة، يلي ذلك حدوث الانفصال الذي قد يأخذ شكلاً خفياً فقط أي داخل جدران المنزل بعيداً عن أعين المجتمع.

60% من المشكلات الزوجية سببها الهجر والانفصال والتجاهل

وتشير إلى أن 60% من المشكلات الزوجية سببها الهجر والانفصال والتجاهل لدرجة تصل في بعض الحالات إلى عدم تلبية الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب، ونتيجة لاختفاء الحوار تتأزم المشكلة ويصبح الزوجان كالغرباء يتشاركون المسكن فقط، وكثيراً ما ترد إلينا حالات تعاني فيها الزوجة من وضع نفسي سيئ وأحياناً من عدة أمراض وتارة أخرى ينعكس ذلك على الأبناء وأتذكر حالة لطفل عرضته والدته علي يعاني من فرط الحركة وعدم التركيز في الدراسة والقلق والتوتر، وبدراسة أسباب ذلك تبين أن ما يعانيه إنما هو ردود فعل أو بالأحرى انعكاس لما يراه أمامه من علاقة هشة تجمع الأبوين، وعند مناقشة الأم تبين أن زوجها رغم أنه يقيم في المنزل معهم إلا أنه لا يوجد أي حوار يجمعهما ولا يتحدث معها سوى عن طريق إحدى وسائل التواصل الاجتماعي وعند الاستفسار عن السبب، أشارت إلى أن هناك حالة من النفور أدت إلى الانفصال تدريجياً حتى وصل الأمر إلى ما يشبه الطلاق الصامت وبررت هذا الوضع بأنه من أجل الأبناء وحتى لا يوصموا أمام المجتمع بشبح التفكك الأسري.

وتتابع البدواوي: نصيحتي لمثل تلك الحالات التي تعيش تحت سقف واحد دون علاقة حقيقية تجمعها أن يتوقف أصحابها عن هذا، وإذا اعتقدوا أن ما يفعلوه يصب في مصلحة الأبناء فهو خطأ فادح لأن انعكاس هذا الوضع عليهم يأتي بنتائج قد لا يحمد عقباها، فمتى شعر الزوجان بالفتور عليهما أن يتحاورا وأن يصلحا الخلل الذي أدى بهما إلى هذا الطريق وألا يتركا أنفسهما فريسة هذا النفق المظلم.

الدكتور إسماعيل العيساوي رئيس قسم الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الشارقة، يقول: العلاقة بين الزوجين تقوم على الود والعاطفة، وإذا ما ساد تلك العلاقة نوع من الفتور أو النشوز فالأصل البحث عن حل لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، فقد يحدث خلاف بين الزوجين لا يصل إلى مرحلة الطلاق ولكن يشوب العلاقة بينهما نوع من البرود أو الانفصال الظاهري دون أن يكون هناك طلاق من الزوج، والذي يظهر والله أعلم أن الحكم الشرعي في هذه الأمور كما جاء في قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا)، فإبقاء الزوجة في هذه الصيغة هي كالمعلقة والقرآن قال: (ولا تذروها كالمعلقة)، فلا يعد هذا الهجران طلاقاً لأن الطلاق له ألفاظ صريحة وكنائية، فإما أن يطلق الزوج صراحة، وإما أن تكون كنائية بأن يتلفظ الزوج بألفاظ تحتمل الطلاق وغيره كأن يقول: «اذهبي لأهلك»، فإن كان يقصد الذهاب الأبدي فهو طلاق وإن لم يقصد ذلك فلا يعد، وعليه فإن بقاء المرأة في البيت دون أن تكون بينهما علاقة ولم يتلفظ الزوج بلفظ الطلاق كناية أو تصريحاً فإنه لا يعد طلاقاً، ولكن الزوج مطالب من الناحية الشرعية أن يحسم الأمر إما بالبقاء أو التسريح. ويكمل: القول إن الوضع بتلك الطريقة إنما هو من أجل الأولاد أو الشكل الاجتماعي، فهذا يعد مصلحة فاسدة أمام حق المرأة.

من حقوق المرأة على زوجها ألا يهجرها وأن يعاشرها بالمعروف

يقول الدكتور جاسم الحوسني رئيس محكمة سابق: الزواج رابطة مقدسة أساسها والسكن والاستقرار، وإمداد المجتمع بالنسل الصالح الكريم، وحددت الشريعة الإسلامية، حقوقاً مشتركة للزوجين ومن بينها حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر فيما أباحه الشرع، فالزواج سبيل العفاف والإحصان وتكاثر الأمة، ولذا فمن حقوق المرأة على زوجها ألا يهجرها وأن يعاشرها بالمعروف بأن يبيت عندها ويعفها، وفي حال كان الرجل متزوجاً أكثر من واحدة فيجب عليه العدل بينهن، أو استرضاء من لا يبيت معها ومصالحتها، فإن الصلح بين الزوجين على إسقاط المبيت كله أو بعضه جائز، لقول الله تعالى: (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير)، فإن تنازلت هي عن حقها في ذلك فلا مانع، ويسلم هو من الإثم، لأنها أسقطت حقها في المبيت برضاها، ولها أن تطالب بحقها متى شاءت، ولكن الأولى بالرجل ما دام زوجاً لها أن يعفها، حتى لا يظلمها لأنها تتضرر من هجرها.

ويتابع: لا ينبغي أن تكون الخلافات القائمة أو السابقة سبباً في نفور الزوج من زوجته، فقال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)، قال رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم: "لا يفرك ـ أي لا يبغض ـ مؤمن مؤمنةً إن سخط منها خلقاً رضي منها غيره" وأما انفصال المرأة عن زوجها في السكن بموافقة من الزوج من غير طلاق لها، فلا يأخذ حكم الطلاق ولا يسقط شيئاً من حقوق الزوجة الواجبة لها إلا إذا كانت ناشزاً.