لكيلا تكون صيداً سهلاً.. كيف تحصل على ’البصيرة’؟!

ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل من طلب العلم، حيث قال: (إنّ العلم حياة القلوب من العمى ونور البصيرة من الظلمة).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وورد عن الكاظم (عليه السلام) أمر بالتفقه بالدين فإنّ ذلك هو مفتاح البصيرة، حيث قال (عليه السلام): (تفقهوا في دين الله فإنّ الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة...). والمقصود بالفقه ليس هو معرفة الأحكام الشرعية بل هو أحدها.

وكذلك ورد عنهم(عليهم السلام): (التفكر حياة قلب البصير).

ومنشأ البصيرة في القلب لكن للعقل مدخلية في قوّة البصيرة حيث ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): (دعامة الإنسان العقل والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم، وبالعقل يكمل وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره...).

وقال المازندراني في (شرح أصول الكافي 1/306) في شرحه لهذه العبارة: ومفتاح أمره ينفتح به أبواب العلوم والكمالات كلُّ ذلك لأنَّ العقل في عالم الأبدان كالشمس يتلألأ نوره ويلمع ضوؤه في الحواس الباطنة والظاهرة ويتنوَّر به القلب ويستضيء به الصدر، فمن حيث أنّه يهتدي به كلُّ عضو من أعضاء الإنسان إلى ما هو المطلوب منه فهو دليله، ومن حيث أنّه ينظر القلب به أو فيه إلى الحقائق والمعارف ويبصرها بعين البصيرة فهو مبصره، ومن حيث أنّه ينكشف به تلك الحقايق والمعارف للقلب وينتقش فيه صورها فهو مفتاح أمره.

وقال في موضع آخر (شرح أصول الكافي 2/349): ثمّ هذه البصيرة إنّما تتمّ وتتكامل بعلوم ثلاثة: الأوّل: العلم بأحوال الدنيا وانصرامها وعدم بقائها وثباتها. الثاني: العلوم بأحوال الآخرة من عذابها وثوابها وحورها وقصورها وعجز بني آدم بين يدي الله تعالى إلى غير ذلك من أحوالها وأهوالها. الثالث: العلم بالسنّة النبوية لقصور عقل البشر عن إدراك نظام الدنيا والدين بنفسه من غير توسّط رسول قوله قول الله تعالى المنزل إليه بالوحي، فهذان العلمان من توابع العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله وثمرة العلم الأوّل وفائدته هي الزهد في الدنيا والإعراض عن نعيمها وعدم الاغترار بزخارفها والتنزّه عن حلالها فضلاً، عن حرامها، وثمرة العلم الثاني هي الرغبة في الآخرة وصرف العقل إليه وقصر الأمل عليه، وثمرة العلم الثالث التمسّك بالسنّة النبوية والعمل بها للتخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل لأنّ كمال القوّة العلمية إنّما هو بارتكاب الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والاجتناب عن أضدادهما وهو إنّما يحصل بالأخذ بالسنّة والعمل بما فيها، ويظهر ممّا ذكرنا أنّ تعريف الفقيه بما ذكر تعريف بالغاية والثمرة المطلوبة منه للتنبيه على أنّ وجود الفقه بدون هذه الثمرات كعدمه بل عدمه خير من وجوده.

وبالتدبر تحصل البصيرة، حيث ورد عنهم(عليهم السلام): (وكيف يهتدي من لم يبصر، وكيف يبصر من لم يتدبر).

وقال أيضاً في موضع آخر: وإشارة إلى ان السبب الجهل ذهاب البصيرة وإبطال القوّة القلبية التي بها تدرك الصور الحقة والأسرار الإلهية وإبطالها يتحقق تارة بعدم التفكر والتدبر وأخرى بمتابعة القوّة الشهوية الغضبية حتّى ينزل في الدرجة الحيوانية. والانسياق مع القوّة الشهوية والغضبية يوصل إلى حبّ الدنيا وطول الأمل وغيرها من الرذائل التي ذكر أنّها تورث القساوة وتعمي البصيرة وتنسي الآخرة.

وبعبارة أخرى: إنّ من دخل في قلبه نور الإيمان واركانه وعقائده الحقّة وأخلاقه الحسنة وعمل بالصالحات وتنزه عن المنكرات والموبقات وتحكم بقواه الشهوية والغضبية وفق ما يرتأيه العقل، فإنّ ذلك يوجب صفاء القلب ونورانيته المؤدي إلى نفاذ البصيرة.

 ومن المثل العليا والمصاديق البارزة بهذا الشأن تمكن الإشارة إلى مولانا العبّاس بن الإمام علي أمير المؤمنين(عليهما السلام)؛ إذ روي بشأنه(سلام الله عليه) عن المفضّل بن عمر، عن الإمام الصادق(عليه السلام): (كان عمّنا العباس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (عليه السلام)، وأبلى بلاء حسنا، ومضى شهيدا) (عمدة الطالب: 356).

نقلاً عن Aqaed