عمل المرأة وأثره على المجتمع... الأطفال انموذجاً

يعتقد عالم النفس الأمريكي والأخصائي في العلاج العائلي، سلفادور مينو تشين، من خلال تحليله بنية الأسرة: "أن استمرار واستحكام الأسرة يتوقف على القيام بالواجبات التكميلية من جانب كل عضو من أعضائها وبشكل خاص الزوج والزوجة، وفي غير هذه الحالة فإن الضغوط النفسية الناجمة عن الاهتمام بالأدوار تكون مصدراً للخلل في الأسرة. ومن هنا فإن إحدى مبادئ الاستنتاجات هو الاهتمام بهذا الموضوع، وهو أن الأسرة منظومة موحدة، وإن كل عضو من أعضائها ـ الزوج والزوجة ـ له أدوار وواجبات خاصة؛ لذا فإن الأدوار والواجبات الموجود في الأسرة تتوقف على مشاركة الطرفين، وتقسيم العمل في القيام بالواجبات مثل التربية والأداء الاقتصادي". خانواده وخانواده درماني، ترجمة محسن دهقاني، ص81.

وعليه فقيام الرجل او المرأة بواجباته تجاه الأسرة يتطلب تقسيم الأدوار بشكل مناسب وقدرات كل منهما، الأمر الذي يدعو للتعرف على الفوارق الجوهرية بين الرجل والمرأة.

الاختلافات التكوينية بين الرجل والمرأة

لا خلاف في وجود مجموعة فروق نفسية وجسدية بين الرجل والمرأة، فبالإضافة الى الفروق الجسدية الظاهرة بينهما، والتي هي منشأ لكثير من الاختلافات التي تؤثر بشكل طبيعي على القضايا النفسية والسلوكية، نلاحظ ايضاً الاختلافات الهرمونية فالتباين بين الهورمونات النسائية (الأستروجين) والرجالية (التستسترون) يؤدي الى اختلافات في طبيعة هيكل الرجل والمرأة؛ بحيث يصبح الرجل هو الأقوى والأقدر على القيام بالأعمال الشاقة. ونلاحظ كذلك الاختلافات النفسية فهناك اختلافات نفسية كثيرة بين الرجل والمرأة وهي ثابتة من وجهة نظر علم النفس. ولا يمكن ببساطة عد هذه الاختلافات ناجمة عن التربية والبيئة الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، فإن هوية الفتيات تدعوهن الى الإخلاص والمودة، وهوية الصبيان تدفع نحو الاستقلالية والتنافس والفردانية. ومن الناحية الشخصية فإن النساء أكثر حسداً وفضولاً من الرجال وأقل ثقة بالنفس منهم؛ إلا أن الغضب هو السمة الأبرز لدى الرجال مقارنة بالنساء، في حين إن الاهتمامات الجمالية والاجتماعية والدينية عند النساء هي أكثر مما عند الرجال. كما إن اهتمام الرجال بالشؤون المادية والاقتصادية هو أكثر من اهتمام النساء. وإن الرجال أكثر اهتماماً بالعلاقات التي لها ارتباط بالعالم الخارجي. وإن اعتماد المرأة على الرجل هو أمر طبيعي وكذلك النزعة الاستقلالية الموجودة لدى الرجل من ناحية الوضع الجسدي، فنفسية المرأة تميل الى التبعية؛ إذ إنها تخاف من الوحدة. وفي المقابل الرجل ينزع الى الاستقلالية ويشعر بالقوة عندما يرى ان الآخرين بحاجة اليه. مسعود آذربيجاني، اشتغال زنان جامعة ، مجلة ياس، عدد14.

المرأة والتناقض الظاهري بين الأسرة والعمل

تم استقطاب الكثير من النساء في سوق العمل بعد عام 1980، واللاتي قمن بدورهن بوضع اطفالهن في رعاية نساء أخريات كن يبحثن عن العمل هن ايضاً.

فتسعى الأسرة العصرية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بثمن تقليص فرص وجود أعضائها معاً وعلى حساب الشعور بالتضامن فيما بينهم. وفي الجانب الآخر، ونظراً الى الدور التقليدي والتكاملي للمرأة وهي التي تأخذ على عاتقها مسؤولية تربية الأولاد ورعايتهم، فإن غالبية النساء يعانين من تناقض وتضاد ما بين التوقعات والمسؤوليات والتزامات العمل والأسرة.

وتبين الدراسات، أن العمل اليومي للمرأة خارج المنزل، يعتبر نوبة العمل الأولى، وإن نوبة عملها الثانية تبدأ آخر النهار عندما تعود الى البيت. وكنتيجة لذلك فإن النساء العاملات يعملن أكثر من أزواجهن 150 ساعة في الأسبوع. ومع إن الزوج وأفراد الأسرة الاخرين يساعدون المرأة في شؤون المنزل في مثل هذه الأسر، إلا إن المسؤولية الأصلية لإدارة البيت ورعاية الأطفال تقع على عاتق النساء.

فبالإضافة الى نوبة العمل الثانية بالنسبة للمرأة، يمكن أن يكون التنافس الخفي بين الكثير من الأزواج والزوجات العاملات هو ايضاً لا مفر منه. فالعلاقات الوثيقة بين الزوج والزوجة تتوتر أحياناً وينعدم الانسجام في داخل الأسرة حيث يؤدي ذلك الى شعور المرأة بالكآبة والانهاك. شكوه نوابي نجاد، روانشناسي زن، ص81.

وتعتقد الكاتبة والباحثة بري جيلبرت: رغم التقدم الكبير الذي أُحرز في مجال الحصول على أهداف متساوية ومتكافئة في الحياة الزوجية، فإن النساء ما زلن يتحملن العبأ الأكبر من المسؤولية على صعيد القيام بالشؤون المنزلية ورعاية الأولاد. فهذا الأمر يخلق مشاكل  ناجمة عن العبأ الإضافي للعمل بالنسبة الى النساء، ويظهر عادة على شكل تضارب في الدور الجنساني والنضال على صعيد السلطة والتبعية في العلاقات الزوجية وتعارض في مجال التقدم والتنافس ونماذج المشاركة في الأدوار والتوتر الذي ينجم بخصوص العناية بالأولاد وصعوبات الارتباط بين الزوج والزوجة. وهذه المسألة تخل بطبيعة الحياة العائلية وبقاء العلاقات بين الرجل والمرأة.

وتبين الدراسات والأبحاث، أن الرجال والنساء ذكروا معاً وجود التضارب بين متطلبات العمل ومستلزمات ومتطلبات السرة، إلا أن مشاكل النساء في هذا المجال أكثر عادة؛ لأنهن يعملن في مجالين بدوام كامل. Bray, J.H., From marriage to remarriage and beyond, p.295-319.

ويكتب رابرت ليت في كتاب (الحياة السياسية): إن مشاركة النساء في الشؤون السياسية وأي علاقة خارج البيت تعني سرقة من حصة الأسرة.

ويلقي بارسونر أيضاً في نظرية (فصل الأدوار) باللائمة على عمل النساء، انطلاقاً من أن عمل النساء يعرض نظام الأسرة للخطر ويعود بتبعات وعواقب سيئة على الأولاد. إذا انه يعتقد أن تغيير فرص العمل وإيجاد فرص عمل للمرأة متساوية مع الرجل يؤدي الى تلاشي هيكل وبنية الأسرة، واختلال بنية المجتمع الفعلي.

آثار عمل المرأة على تربية الطفال وذلك يشمل:

اولاً: تأثير عمل الأم على نشوء التعلق الأولي ونمو وترعرع الطفل: تشير الدراسات الى أن التعلق الأولي للطفل بالأم وعلاقته العاطفية والدافئة معها تؤثر بشكل عميق على نموه الجسدي والنفسي. فبالنظر لما تقدم من وجود تناقض كبير بين عمل المرأة خارج المنزل ومسؤوليات الأسرة، فهذا الفصل قلص المحيط الحيوي النفسي للطفل، ومن الممكن أن يخلق نوعاً من الجوع والشعور بانعدام الأمن. او بعبارة أخرى يؤدي الى سوء تغذية نفسية وعاطفية لدى الأطفال، وهو ما يشكل الهاجس الأصلي للأمهات العاملات. تقول آلين جودمان في تحليلها لعمل النساء: نحن نشيد بعمل نساء الطبقة الوسطى اللاتي يتركن العمل من أجل أطفالهن، وإن أي زعيم منصف لا يدين لهؤلاء النساء، ولا يلومهن على اعتبار أنهن أشخاص لا يشعرن بالمسؤولية.

ومن هنا وفي ضوء الدور الأساس للأم في مجال رعاية الطفل والعناية به في كافة المجالات وخاصة في الأعوام الأولى من نموه، يطرح هذا السؤال: هل أن النساء العاملات عندما يتواجدن في البيت الى جانب اعضاء الأسرة قادرات على التعويض عن فترة غيابهن عن البيت؟ فالمعطيات والأبحاث التي قامت بها أكاديمية العلوم الأمريكية تسببت في إعادة النظر بشكل واسع في جميع الشواهد والأبحاث التي تبين عدم تأثير عمل الأم بشكل دائم على نمو الطفل.

 وقد بادر لويس هافمن الى إعادة النظر في الأبحاث التي أجريت على مدى خمسين عاماً حول عمل الأمهات. فبمراجعته البحثية رأى هافمن: أن لعمل الأمهات تبعات وعواقب سلبية على نمو الطفل. وبمراجعته الخلفية التاريخية لهذا المجال البحثي رأى هوفمان أن الأمهات العاملات مقارنة بالأمهات ربات البيوت يخصصن وقتاً أقل للعناية بالأطفال، فعمل الأمهات وخصوصاً بالفترة الأولى من حياة الطفل له تأثيرات سلبية كثيرة على نموهم.

ويكتب الجراح أخصائي الفيسلوجيا والبايلوجيا الفرنسي، الكيس كارليل: إن تعليم الطفل وتربيته يتطلب دقة مستمرة، لا يمكن توفيرها إلا من قبل الأم والأب؛ وذلك لأن الأبوين وخاصة الأم تعرف منذ بداية حياة الطفل بخصائصه الجسدية والنفسية وكفاءاته.Hoffman, Iois, Developmental psychology today, p.36.

وقد درس كل من بيدر وبروكز خلال بحث تأثير عمل الأم على أداء الطفل قبل مرحلة الابتدائية حيث تبين لهم وجود علاقة بين فترة ومقدار عمل الأم في العام الأول من حياة الطفل من منظور الأداء المعرفي والسلوكي للطفل خلال الأعوام الثلاثة بعد ذلك.

وبالطبع فإن فترة عمل الأم كان أهم عامل في هذا المجال، أي أن أداء الأطفال الذي لم تدخل أمهاتهم عالم العمل حتى الربع الرابع من العام الأول من حياتهم كان أفضل مقارنة بالأطفال الذين بدأت أمهاتهم بالعمل قبل ذلك الوقت. فدخول الأمهات الى عالم العمل في الربع الثاني من العام الأول كان له تأثير سلبي أكبر على الأداء المعرفي والسلوكي للطفل مقارنة بالربع الأول. ريتا إل إتنكسون وآخرون، مصدر سابق، ص51.

ويرى اشبيتز:  إن حالات الفصل التي تحصل قبل أن يبلغ عمر الطفل في حدود 18 شهراً من الممكن أن تؤدي الى إصابة الطفل بحالة (الكآبة الإتكالية) والتي تظهر أعراضها بشكل انعدام الاشتهاء النفسي والاختلال في السلوك الغذائي وتوقف النمو والتأخير في النمو النفسي ـ الحركي.

وعلى صعيد آخر فقد بينت الدراسات التي قام بها الأطباء النفسيون هي الأخرى إن اختلالات عاطفية لدى الأطفال مثل البطء في الكلام وانخفاض مستوى الذكاء  وخمول الحركة وردود الأفعال العاطفية السطحية والاختلال في الحواس وضعف القدرة على التفكير التجريدي يمكن أن تكون من بين التبعات السيئة لحرمان الطفل من الأم. على أكبر شعاري نجاد، روان شناسي رشد، ص72.

من هنا نلتفت لتأكيد التعاليم الدينية على أن للأم أولوية على الأب في مجال حضانة الطفل في سنينه الأولى.

وبالتالي فإن حضور الأم لفترة أطول الى جانب الطفل، خاصة خلال السنوات الأولى من عمره يوفر الحاجات الجسدية والعاطفية والنفسية والمعرفية اللازمة لتبلور شخصية الطفل ونموه العاطفي بشكل طبيعي. وإن غياب الأم بسبب العمل يتسبب بالكثير من الاختلالات لدى الأطفال.

ثانياً: العلاقة بين عمل الأمهات وانخفاض مستوى الذكاء عن الأطفال:  تبين الأبحاث والدراسات أن إظهار الأم حبها وحنانها للطفل يؤدي الى أن يكون الطفل أكثر ذكاءً. وقد بينت الدراسات التي قام بها جولد فارب بشكل خاص، أن الأطفال المحرومين من حب الأم وحنانها، هم أقل ذكاءً مقارنة بالأطفال الذين يعيشون حياة طبيعية. ورغم أنه ليس بالضرورة أن يؤدي مجرد الحرمان من حنان الأم الى انخفاض مستوى الذكاء لدى الطفل، إلا إن الحالة يمكن أن يكون سببها وجوده في المؤسسات التربوية ومؤسسات رعاية الأطفال بدل رعاية أمه. ليلى طالقاني، مهر مادرى كودك را باهوش مى كند، صحيفة جام جم، ص39.

وقد درس فريق من الخبراء في علم النفس كيفية تأثير هذه العوامل على نمو وذكاء الطفل في مثل هذه المؤسسات. وقد قام أحد العلماء واسمه دنيس بدراسة حول تأثير هذه العوامل على الأطفال الذين يقل معدل ذكائهم عن المتوسط، فتبين له أنه رغم أن الأطفال كانوا يخضعون لرعاية جسدية، أي إن المأكل والملبس كان متوفراً لهم بدرجة كافية، فإن هؤلاء الأطفال أما لم يكونوا يتحدثون أو يلعبون مع العاملين في هذه المراكز، وأما إنهم لم يكونوا يتلقون التشجيع المناسب خاصة عندما كانوا يلعبون . ميشيل روتر، مصدر سابق، ص35.

ثالثاً: تأثير عمل الأمهات على تعليم الأولاد: بينت دراسة قامت بها مؤسسة الدراسات الأجتماعية والاقتصادية، إن الأم العاملة قبل بدأ مرحلة ذهاب الطفل الى المدرسة ستكون درجات دروس القراءة والرياضيات لأطفالها منخفضة وإن أطفالها يكونون أقل مستوى من الناحية العاطفية.

ويقول البوفيسور جان أرميش والبروفيسور ماركو فرانسسكوني من جامعة إيسكس إن هذه العيوب تبدأ من المرحلة الأبتدائية، وتظهر في بداية سنوات البلوغ بالحصول على درجات أدنى من التعليم ونسبة أعلى من البطالة. Stephanie Bujake, The working mothers effect on a child, p.112-118.