عن صراع العمة والكنة.. هل تفضل أن تكون: «زوجاً مخلصاً» أم «ابناً باراً»؟!!

كثيرة هي المشاكل التي تعصف بالمجتمع وتؤرق أفراده وأحد هذه المشاكل هو الصراع الذي يكون طرفا الحلبة فيه العمة (أم الزوج) والكنة (الزوجة) حتى عُدت سوء العلاقة بينهما مضرباً للمثل في مدى تدهور العلاقة بين طرفين، وفي هذه السطور المقتضبة أود تسليط الضوء حول بعض النقاط المحتملة في زيادة تشنج الأجواء بين هاتين المرأتين :

1 ـ يرجع بعض الباحثين الى الوضع القائم بين الطرفين ربما يكون مرجعه الى الحياة السابقة للعمة، حيث أنها كانت يوماً من الأيام كنة في بيت والدة الزوج، وربما كان وضعها آنذاك لا يسر الصديق، فيكون شكل علاقتها المستقبلية طبقاً للتجربة التراكمية التي خاضتها، مما يعني أنها تعاني من عقدة النقص فعليه ينبغي تعويض ما فاتها بهذه الصورة من التعامل.

2 ـ ومن الأسباب الأخرى أن الأم مهما بلغ إبنها من السن فهي لا زالت تنظر إليه أنه ذلك الرضيع الذي لازال ضجيجه يملأ الافاق إن تأخرت عليه لبرهة من الزمن، وعليه فهو من أملاكها الخاصة التي لا يجوز التعدي عليها تحت أي مسمى كان بما في ذلك الزواج، فعليه تكون نظرة العمة للزوجة للكنة أنها ممن تعدى على أملاك خاصة والتعامل سيكون وفق هذا المنظور .

3 ـ يلاحظ بعض المختصين أن توتر العلاقة بين الطرفين ناتج من عامل الغيرة، فإذا ما اعتبرنا أن الشباب إنما يأتي مرة بالعمر دون رجعة أخرى فيكون حال العمة كحال الشاعر القائل: ألا ليت الشباب يعود يوماً، فالصراع في الحقيقة بين إمرأتين تنظر إحداهما الى الأخرى أنها تمتلك ميزة تفتقر إليها الأخرى، ومع ذلك فهما يعيشان تحت سقف واحد ويتشاركان نفس الرغيف وتجمعهما علاقة مختلفة بنفس الشخص.

هل العامل الثقافي سبب في سوء العلاقة بين الطرفين؟

يقول الدكتور عبد السلام إبراهيم:

 «ويرجع هذا الصراع إلى تكوين الأسرة وطبيعة حياتها. فالأسرة إلى عهد قريب كانت وحدة متماسكة يجمعها (البيت الكبير)، يضم الأبوين والأبناء وزوجاتهم وأولادهم، ويتولى السلطة في الأسرة الجد أو الأب، وتقوم على إدارتها الجدة أو (الست الكبيرة) وهي صاحبة الكلمة العليا في المنزل. فالفتاة حين تفارق البيت الذي نشأت فيه لا تلقى في بيت الزوجية ما كانت تلقاه من دلال أبويها، وتجد نفسها في مواجهة امرأة غريبة تلتزم بطاعتها فيما تأمر به وتنهي عنه. وهنا يبدأ الصراع، ويقرر ميزان الأخلاق حدته ومداه، فيظهر في الخلق السيئ في الحماة وسوء التربية والتهذيب في الكنة، ويخفيه الخلق الحسن في الحماة وحسن التربية والتهذيب في الكنة». الزواج عند العرب ص217

فالملاحظ أن العامل الثقافي يكون لاعباً أساسياً في شكل العلاقة بين الطرفين، ويختلف كماً وكيفاً بحسب هذا المؤهل، فالطرفان إذا كان أحدهما يتمتع بثقافة عالية نرى أن حجم المشاكل منحسر بشكل شبه تام والعكس صحيح.

وسط هذا الصراع ما هو دور الزوج (الإبن)؟

يمكن أن يكون الزوج عامل توازن مؤثر ومهم في ترطيب العلاقة بين الطرفين، فعلى سبيل المثال لو أقدم في يوم من الأيام وطلب من زوجته شراء هدية لوالدته لأسهم ذلك في ذوبان الجليد بين المرأتين، وتحسين الصورة النمطية المتعارفة في أمثال تلك الأجواء.

كما أنه لو التزم جانب الحيادية والنظر الى المشاكل أنها ربما تكون آنية وآيلة الى الزوال فمن المتيقن أنه سيكون عاملاً مساعداً في إيجاد بيئة تفاهم بين أفراد ذلك المجتمع المصغر الذي هو الأسرة، هذا فيما إذا كان يتحلى برجاحة العقل والحزم في التعامل مع الاثنين أمه وزوجته، بحيث يعدل وينصف ويتشدد عند الحاجة ويضع لكل واحدة حدوداً لا يمكن تجاوزها.

ما هي الحلول المقترحة لهذه المشاكل؟

من الممكن القول أن الصورة النمطية والقاتمة للعلاقة بين أطراف الصراع ليست ملازمة لكل الأسر، بل العكس صحيح فكم من فتاة عاملت والدة الزوج على إنها أم لها تستشيرها في سرائها وضرائها، وتسهر على خدمته حتى أن بعضهن لا همَ لها إلا خدمة تلك المرأة التي تختلف معها في السن والمنزلة، وكم من (عمة) تنظر الى كنتها وكأنها ابنتها التي ولدتها فكما تتعامل مع بناتها الحقيقيات كذلك تعاملها مع ميزة أنها شريكة ولدها.

لكن إن كان ولابد من حصول بعض هذه المشكل أعلاه فينبغي للعمة مراعاة التالي:

1 ـ إن تقديم التنازلات لتستمر حياتها وحياة ولدها بصورة اعتيادية بعيدة عن اللغط والصخب، فلا بد أن تدرك أن ولدها (الزوج) يحتاج مساحة كافية للتكيف مع حياته الجديدة، وكذلك فهو مأمور شرعاً بالإنفاق والتعامل الحسن مع زوجته وهذه الأشياء لا يمكن توفرها في ظل أجواء مكهربة.

2 ـ ربما يكون إشعار الكنة بأن العمة تنظر إليها نظرة أمومة لا نظرة ندية، مما يعني أن كل المخاوف التي تمتلك الكنة ستتلاشى مع مرور الزمن، وهذا سيكسب الثقة ببعضهما.

والخلاصة:

ينبغي مراعاة أمر هام جداً، وهو أن أهل الزوجة ربما رفضوا أكثر من شخص تقدم لنيل ابنتهم بينما ابن تلك العمة (والدة الزوج) قد استقبل بالحفاوة والترحاب، ومن ضمن أسباب القبول أن أسرة الزوجة كانت أن العمة على قدر المسؤولية بحيث يمكنهم الثقة بها لجعل غبنتهم وديعة عندها، فعليه ستكون من مصاديق قول الخاتم (صلى الله عليه واله) "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".