هل الاستشفاء بتربة الإمام الحسين شرك بالله؟!

كيف تطلبون الشفاء من تربة الحسين؟ أليس هذا من الشرك الذي لا يغفره الله؟ ما الفرق بينكم وبين كفار قريش الذين يعتقدون الشفاء والنفع والضر في الأصنام المصنوعة من تراب؟

الجواب:

أولا: إنّ الملاك في كون الشيء شركا أم لا هو أمرين إمّا صدق عنوان العبادة من دون الله عليه المتضمن اعتقاد الألوهية في المعبود، أو اعتقاد النفع أو الضر أم مطلق التأثير الذاتي في الشيء، فلو سجد الإنسان إلى جدار لا يكون عمله شركا إلّا إذا اعتقد ألوهية الجدار، ولو تناول الإنسان شيئا لاعتقاده أنّ فيه الشفاء فلا يكون عمله شركا ما لم يعتقد أنّ الشفاء من ذاتياته لا بإفاضة من الله عزّ وجل وهذا ما يعتقده الشيعة حيث يقولون أنّ هذه التربة قد جعل الله الشفاء من خصائصها كما جعل ذلك في الأدوية والأشجار والنباتات وبعض المياه فما المانع من ذلك؟

وسأسرد عليك بعض الأمور التي لم يختلف المسلمون في كونها ممّا يستشفى به من كلّ داء:

العسل: قال الله عزّ وجل في سورة النحل 68/69: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

الحبة السوداء: روى البخاري في صحيحه 7/13: أنّ أبا هريرة أخبرهما أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام (الموت).

ماء زمزم: روى الطبراني في المعجم الأوسط 4/179: عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم.

الحجامة: روى الطبراني في المعجم الأوسط 6/363: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من احتجم صبيحة سبع عشرة كان له شفاء من كل داء.

ولو كان مجرّد الاعتقاد بأنّ في هذه الأمور شفاء شرك لحكمت به على كلّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهذا باطل بالضرورة.

ثانيا: إنّ دعوى الشيعة كون تربة الحسين (ع) ممّا يستشفى به مبنيّة على نصوص صحيحة موجودة عندهم ومثبتة في مصادرهم عن أئمتهم الطاهرين عليهم السلام الذين افترض الله طاعتهم:

ما رواه الكليني 4/588 بسنده: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عند رأس الحسين عليه السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام (الموت)

وما رواه الشيخ الطوسي في الأمالي 319: عن الصادق عليه السلام قال: إن الله جعل تربة الحسين شفاء من كلّ داء، وأمانا من كل خوف، فإذا أخذها أحدكم فليقبلها وليضعها على عينه، وليمرّها على سائر جسده.

وما رواه في نفس المصدر بسنده: حدثنا سعد بن سعيد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن الطين الذي يؤكل يأكله الناس، فقال: كل طين حرام كالميتة والدم وما أهل لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام، فإنه شفاء من كل داء.

ثالثا: إنّ الاستشفاء بالتربة موجود ومثبت في كتب أهل السنة والجماعة، وقد نصّ الفقهاء والمحدثون على الاستشفاء بأكثر من صنف من التراب نذكر منها:

الطين الأرمني: نقل جملة من فقهاء العامة أنّه ممّا يتداوى به، والظاهر أنّ هذا الأمر محلّ تسالم بين قدمائهم، نقل ابن قدامة في الشرح الكبير 11/115 عن أحمد بن حنبل: قال أحمد أكره أكل الطين ولا يصح فيه حديث إلا أنه يضر بالبدن يقال إنه ردي وتركه خير من أكله وإنما كرهه أحمد من أجل مضرته فإن كان منه ما يتداوى به كالطين الأرمني فلا يكره.

الشافي في كتاب الأم 1/67: فأما الطين الأرمني والطين الطيب الذي يؤكل فإن دق فتيمم به أجزأه.

النووي في روضة الطالبين 1/222: فالتراب متعين (في التيمم)، ويدخل فيه جميع أنواعه، من الأحمر، والأسود، والأصفر، والأغبر، وطين الدواة، وطين الأرمني الذي يؤكل تداويا وسفها.

تراب المدينة: جلّ من كتب في فضائل المدينة نص على أنّ تربتها شفاء من كلّ داء تماما كما يعتقد الشيعة في تربة الإمام الحسين عليه السلام:

نقل ابن النجار البغدادي في كتابه تاريخ المدينة المنورة 82 بسنده عن ابراهيم بن الجهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أتى بني الحارث روبا فقال: مالكم يا بني الحارث روبا؟، قالوا نعم يا رسول الله أصابتنا هذه الحمى، قال: فأين أنتم عن صعيب؟ قالوا: يا رسول الله ما نصنع به؟ قال: تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ثم يتفل عليه أحدكم ويقول: باسم الله تراب أرضنا بريق بعضنا شفاء لمرضنا بإذن ربنا، ففعلوا فتركتهم الحمى.

ثم علّق ابن النجار بقوله: ورأيت هذه الحفرة اليوم والناس يأخذون منها وذكروا أنهم جربوه فوجدوه صحيحا وأخذت أنا منها أيضا.

ذكر السمهودي في كتابه وفاء الوفا 1/221 بابا بعنوان (في الاستشفاء بترابها وثمرها وما جاء فيه) نقل فيه مجموعة من الأحاديث حول فضل تربة المدينة ثم ذكر سيرة علماء عصره في ذلك، قال: وقد رأينا من استشفى بغبارها من الجذام وكان قد أضرّ به كثيرا فصار يخرج إلى الكومة البيضاء ببطحان بطريق قباء ويتمرّغ بها ويتخذ منها مرقده فنفعه ذلك.

وقال في 1/224: وهذه الحفرة موجودة اليوم مشهورة خلفا عن سلف، يأخذ الناس منها وينقلونه للتداوي.

تربة قبر ابن تيمية: ذكر ابن ناصر الدمشقي أن تراب قبر ابن تيمية هو شفاء من كلّ داء أيضا، قال في كتابه الرد الوافر على من زعم أنّ ابن تيمية كافر 74: قال علي بن عبد الكريم ابن الشيخ سراج الدين البغدادي الاصل البطايحي المزي أخبرني بشيء غريب قال كنت شابا وكانت لي بنت حصل لها رمد وكان لنا اعتقاد في ابن تيمية وكان صاحب والدي ويأتي الينا ويزور والدي فقلت في نفسي لآخذن من تراب قبر ابن تيمية فلأكحلها به فانه طال رمدها ولم يفد فيها الكحل فجئت الى القبر فوجدت بغداديا قد جمع من التراب صررا فقلت ما تصنع بهذا قال أخذته لوجع الرمد أكحل به أولادا لي فقلت وهل ينفع ذلك فقال نعم وذكر أنه جربه فازددت يقينا فيما كنت قصدته فأخذت منه فكحلتها وهي نائمة فبرأت قال وحكيت ذلك لابن قاضي الجبل يعني الامام شرف الدين أبا العباس أحمد ابن الحسن بن عبد الله بن شيخ الاسلام أبي عمر المقدسي قال وكان يأتي الينا فأعجبه ذلك وكان يسألني ذلك بحضرة الناس فأحكيه ويعجبه ذلك!

فلا ندري لماذا يسكت عن كلّ هذا ولا نسمع اسطوانة الكفر والشرك إلّا إذا وصلت النوبة إلى سيدنا ومولانا الحسين الشهيد عليه السلام؟