’’أرقام واقعية’’.. مناقشة ’’علمية’’ هادئة لعدد أنصار الإمام الحسين في معركة الطف

ما هو العدد الفعلي لأصحاب الامام الحسين عليه السلام؟

لا يمكننا معرفة العدد الدقيق لأصحاب أبي عبد الله (ع) المستشهدين في كربلاء، للاختلاف الشديد بين المؤرخين، بل صدر من المؤرخ الواحد أرقاماً مختلفة تبعاً لما وصله من الروايات، بل الاختلاف وقع بين شهود العيان في كربلاء!

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وسنذكر أهم الأقوال والروايات:

القول الأول: اثنان وسبعون رجلاً: منهم اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، وهذا هو القول المشهور بين المؤرخين، وهو رواية أبي مخنف عن الضحاك بن عبد الله المشرقي، أحد شهود العيان من أصحاب أبي عبد الله الحسين (ع) في كربلاء، حيث قال: وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه وأعطى رايته العباس ابن علي.

وهذا القول ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد: 2 / 95 ، والطبرسي في تاج المواليد ص31 ، وإعلام الورى: 1 / 457 ، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين ص184 ، والخصيبي في الهداية الكبرى ص404 ، والطبري في دلائل الإمامة ص178 ، والسيد محمد بن ابي طالب في تسلية المجالس: 2 / 275 ، والبلاذري في أنساب الأشراف: 3 / 187 ، والطبري في تاريخه: 4 / 320 ، وابن أعثم في الفتوح: 5 / 101 ، والخوارزمي في مقتل الحسين: 2 / 4 ، وابن الجوزي في المنتظم: 5 / 338 ، وابن الأثير في الكامل في التاريخ: 4 / 59 ، وأبي الفداء في المختصر: 1 / 191 ، وابن كثير في البداية والنهاية: 8 / 192 ، والمقريزي في إمتاع الأسماع: 5 / 364 ، والنويري في نهاية الإرب: 20 / 438 ،  والدينوري في الأخبار الطوال ص 256 ، وعنه ابن العديم في بغية الطلب: 6 / 2628.

وقال اليعقوبي: وكان الحسين (ع) في اثنين وستين، أو اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته وأصحابه. (تاريخ اليعقوبي: 2 / 243).

فهذا النص يشير إلى هذا العدد من أصحابه وأهل بيته الذينَ عبأهم الإمام الحسين (ع)، ولكن لم يقتل جميع أصحاب أبي عبد الله (ع) كالحسن وعمر ابنا الإمام الحسن (ع)، والمرقع بن ثمامة الأسدي، وعقبة بن سمعان. فهؤلاء ينقصون من العدد.

وأيضاً يضاف إليهم الذين التحقوا بعد تعبئة الإمام الحسين (ع) جيشه أمثال الحر بن يزيد، ومَن وصل بعد مقتل الحسين (ع) أو في الأثناء.

ويضاف إليهم مَن لم يعبئهم الحسين (ع) للقتال كعبد الله بن الإمام الحسن (ع) وعبد الله الرضيع بن الإمام الحسين (ع) ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل، والقاسم بن الإمام الحسن بناء على صغر سنه، وغيرهم.

وهذا العدد يقرب من العدد المذكور في رواية سعيد بن المسيب المنقولة عن الجزء الثاني من كتاب دلائل الإمامة للطبري، في خبر رسالة عمر إلى معاوية، حيث قال سعيد بن المسيب: وقتل ثمانية عشر من أهل بيته ، وثلاث وخمسين رجلا من شيعته ، وقتل علي ابنه بين يديه وهو طفل بنشابة . (بحار الأنوار: 30 / 287.).

ويقترب من العدد المذكور في زيارة الناحية المقدسة، حيث وصل العدد فيها إلى ست وسبعون.

وهذا العدد يوافق أيضاً عدد الرؤوس المقطوعة، حيث اشتهر بين المؤرخين أنها إثنان وسبعون رأساً. (الإرشاد للمفيد: 2 / 113 ، الاخبار الطوال للدينوري ص259 ، أنساب الأشراف: 3 / 206 ، تاريخ الطبري: 4 / 349 ، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 206 ، إعلام الورى للطبرسي: 1 / 470).

القول الثاني: اثنان وثمانون رجلاً: وهو اختيار ابن شهر آشوب في المناقب: 3 / 248، وذكره الخوارزمي في مقتل الحسين: 2 / 4 ، ناسباً إياه الى رواية: حيث قال: ""وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، وفي رواية: اثنان وثمانون راجلاً."" وتبعه السيد محمد بن أبي طالب في تسلية المجالس: 2 / 275.

واختاره السيد المقرم في مقتل الحسين ص225.

ولكن يلاحظ على هذا القول: أنه عدد الخارجين مع الحسين (ع) من مكة، قال ابن أعثم: وخرج الحسين من مكة يوم الثلاثاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة، ومعه اثنان وثمانون رجلا من شيعته وأهل بيته. (الفتوح لابن أعثم: 5 / 69، وعنه الخوارزمي في مقتل الحسين: 1 / 220، مطالب السؤول لابن طلحة ص396، وعنه الإربلي في كشف الغمة: 2 / 253، والفصول المهمة لابن الصباغ: 2 / 803 .)

ومن المعلوم أنّ العدد ازداد ثم تقلص من يوم خروجه من مكة الى يوم عاشوراء.

فهذا العدد ليس هو عدد أصحابه الفعليين في كربلاء والمقتولين بين يديه.

وذكر ابن كثير أنّ عدد الخارجين معه من الحجاز الى العراق ثلاثمائة شخص، قال: وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق، ولم يشعر بما وقع، فتحمل بأهله ومن أطاعه وكانوا قريبا من ثلاثمائة. (البداية والنهاية: 6 / 259).

وذكر ابن عساكر أنّ عددهم من غير أهل بيته ستون شيخاً، قال: وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج متوجها إلى العراق في أهل بيته وستين شيخا من أهل الكوفة وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين. (تاريخ دمشق لابن عساكر: 14 / 212، وتابعه ابن كثير في البداية والنهاية: 8 / 178).

القول الثالث: واحد وستون رجلاً: ذكره صاحب إثبات الوصية ص166، قال: ورويَ أنّ عدتهم في ذلك اليوم كانت واحداً وستين رجلاً.. الخ.

وهذا القول بعيد من جهات عديدة.

القول الرابع: مائة وخمس وأربعون رجلاً: وهي رواية عمار الدهني عن الإمام الباقر عليه السلام، فيما نقله الطبري في تاريخه، قال: قلت لأبي جعفر حدثني مقتل الحسين حتى كأني حضرته. فقال الإمام الباقر (ع): ... حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد ... فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء فأسند ظهره إلى قصباء وخلا كيلا يقاتل إلا من وجه واحد فنزل وضرب أبنيته وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. (تاريخ الطبري: 4 / 292).

وهذا العدد ذكره ابن نما في مثير الأحزان ص39، والسيد ابن طاووس في اللهوف ص157، ومن المقطوع به أنهما اعتمدا على عمار الدهني التي رواها الطبري.

ولكن رواية عمار الدهني يصعب الاعتماد عليها، لعدم ورودها في مجاميع الشيعة الإمامية أولاً، وفيها تحريف لبعض حقائق معركة كربلاء ثانياً، مضافاً إلى أنّ هذا النص يشير إلى عدد أصحابه في بداية نزوله كربلاء، ولا يوجد في النصّ إشارة إلى أنه العدد الذي قاتل به الأعداء، أو قُتِلوا يوم الطف، فلعلّ العدد نقصَ عن ذلك.

ويمكن أن يكون العدد شاملاً لجميع مَن كان معه من أصحابه وأهل بيته رجالاً ونساءً وأطفالاً، لا خصوص المقاتلين أو المقتولين يوم عاشوراء، وهذا الاحتمال يحتاج إلى تحقيق أيضاً.

القول الخامس: ثمان وسبعون رجلاً: قال المفيد: فروى عبد الله بن ربيعة الحميري فقال : إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق ، إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه ، فقال له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك ؟ قال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ... حتى أتينا على آخرهم ... (الإرشاد للمفيد: 2 / 118 ، والطبري في تاريخه: 4 / 351 ، وفي الأخبار الطوال للدينوري ص 260 أنّ المتحدث هو عمر بن سعد.)

وهذا العدد لو حذف منه الناجون من المعركة، لاقترب من العدد المذكور في القول الأول.

القول السادس: أنّ عددهم حدود المائة شخص: وهي رواية الحصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة – شاهد عيان - قال إن أشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل يبكون ويقولون اللهم أنزل نصرك قال قلت يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه قال فأقبل الحسين يكلم من بعث إليه ابن زياد قال وإني لأنظر إليه وعليه جبة من برود فلما كلمهم انصرف فرماه رجل من بنى تميم يقال له عمر الطهوي بسهم فإني لأنظر إلى السهم بين كتفيه متعلقا في جبته فلما أبوا عليه رجع إلى مصافه وإني لأنظر إليهم وانهم لقريب من مائة رجل فيهم لصلب علي بن أبي طالب عليه السلام خمسة ومن بني هاشم ستة عشر ورجل من بنى سليم حليف لهم ورجل من بنى كنانة حليف لهم وابن عمر بن زياد. (تاريخ الطبري: 4 / 295).

وهذا العدد تقريبي وليس دقيّاً.

وهذه الرواية رواية الفضيل بن الزبير الرسان من أعيان القرن الثاني، إذ أحصى أسماء مَن قتل مع الحسين (ع)، فأوصلهم إلى مائة وسبعة، فإذا استثنينا من القائمة: الإمام الحسين (ع)، وهاني بن عروة، وقيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الله بن يقطر، ومسلم بن عقيل، لكان عدد المستشهدين مئة وإثنان.

وإلى هذا الرأي يميل الشيخ محمد مهدي شمس الدين حيث يقول: وتقديرنا الخاص نتيجةً لما انتهى إليه البحث هو أنّ أصحاب الحسين (ع) الذين نقدّر أنهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي يقاربون مئة رجل أو يبلغونها، وربما زادوا قليلاً على المئة. (أنصار الحسين ص49).

وأوصلهم الشيخ محمد طاهر السماوي إلى قريب المائة في كتابه إبصار العين في أنصار الحسين مع حذف من قُتِل في الكوفة.

القول السابع: ستمائة شخص: منهم خمسمائة فارس، ومائة راجل! وهذا القول اختيار المسعودي حيث قال: فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر ابن يزيد التميمي فقال له : اين تريد يا ابن رسول الله ؟ قال : اريد هذا المصر ، فعرّفه بقتل مسلم وما كان من خبره ، ثم قال : ارجع فإني لم أدع خلفي خيراً ارجوه لك ، فهَمَّ بالرجوع فقال له إخوة مسلم : والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا او نقتل كلنا ، فقال الحسين : لا خير في الحياة بعدكم ، ثم سار حتى لقي خيل عبيد الله بن زياد عليها عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فعدل الى كربلاء - وهو في مقدار خمسمائة فارس من اهل بيته واصحابه ونحو مائة راجل. (مروج الذهب: 3 / 61).

وهذا القول يصعب تصديقه، فهي مخالفة لجميع الروايات المتقدمة، نعم يمكن قبولها في حالة واحدة وهي ما قبل خبر شهادة مسلم بن عقيل، قبل تفرق الكثير من أنصاره عنه.

قال الدينوري: وقد كان صحبه قوم من منازل الطريق، فلما سمعوا خبر مسلم ، وقد كانوا ظنوا أنه يقدم على أنصار وعضد تفرقوا عنه ، ولم يبق معه إلا خاصته . ( الأخبار الطوال 248).

القول الثامن: واحد وتسعون شخصاً: وهو إختيار المسعودي، قال: وكان جميع من قتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين، منهم ابنه علي بن الحسين الأكبر... وقتل معه من الأنصار أربعة ، وباقي من قتل معه من أصحابه - على ما قدمنا من العِدَّة - من سائر العرب. (مروج الذهب: 3 / 61 – 62).

 

وهناك أقوال اخرى أعرضنا عنها لضعفها وعدم شهرتها.

الراجح من الأقوال:

والذي نميل إليه هو أنّ أقرب الأقوال قدرةً على الانسجام مع الشواهد والقرائن التاريخية هما القول الأول (الاثنان وسبعون) والقول السادس (حدود المائة).

وأما بقية الأقوال فيصعب البناء عليها، كما بيّنا ذلك ضمن كل قول.

ويمكن التوفيق بين القولين والبناء على أنّ مَن عدّهم إثنان وسبعون لم يعدّ الموالي والأطفال والذين التحقوا بجيش الحسين (ع) كالحر وغيره. أو لم يعدّ شهداء أهل البيت (ع) ضمن الاثنان وسبعون.

ولكنه يصادم عدد الرؤوس المقطوعة، المحددة باثنان وسبعون رأساً، إلا إذا قلنا بأنهم لم يقطعوا رؤوس الموالي والأطفال وبعض مَن لا ثقل اجتماعي له، واقتصروا على قطع رؤوس الرؤوس، وهم اثنان وسبعون نفساً، والله العالم.