ذكريات في ’طريق الأربعين’.. المرجع الحكيم: ما يحدث في كربلاء أكثر مما كنّا نحلم به!

قرره وأعده: السيد علاء العوادي

نشكر ونعتز بالإخوة الذين شاركوا في هذه المسيرة المباركة، إن هذه المسيرة قد تفضل الله بها على المؤمنين ووحد كلمتهم وجمع شملهم وألغى الفوارق النسبية والاجتماعية والمالية والعرقية والجنسية بينهم.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ولم يبق شيء يجمعهم إلا كلمة الإيمان وولاية أهل البيت (سلام الله عليهم)؛ وجواب كلمة الامام الحسين (عليه السلام) التي تشير لها الزيارة المباركة (لبيك داعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك سمعي وقلبي وبصري سبحان ربنا إن كان وعدُ ربنا لمفعولا)، ولإن يجتمع المحبون هنا لترى كل فئة الفئة الأخرى يتألفون يتآزرون يتعارفون ويتعرف بعضهم على ما عند البعض؛ ليأخذ أحدهم ما عند الثاني من الجانب الحسن، ويؤكدون جانب الولاء بالله وبالنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وتذكيرهم دائماً بإيمانهم وهذه المدرسة تمتد الى شهر يعيش الانسان في جوها؛ وهذا الجو كما ينعكس على من يشارك في المسيرة فأنه ينعكس على كل من يشاهدها بالفضائيات أو يسمع عنها فهو يشترك معهم وتكون مذكرة له وهذه من أعظم النعم، ولابد أن يعرفها الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى حينما يرسل ويذكر (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55]،  فمن أفضل النعم أن يهيئ الله الأسباب للذكر، وللتفكير، والتنبيه، والإرشاد، ورفع الغفلة عن الانسان، وهذه النعمة تحتاج الى شكر فلو لم يشكر الإنسان على هذه النعم فأن الله يسلبها.

 وثم يذكر السيد الفقيد الراحل (قدس سره) بعد خروجه من السجن سنة 1412 هجري في يوم عاشوراء:

كنا نريد الخروج الى زيارة الامام الحسين (عليه السلام) وكان الموقف في خطر وتأزم فقلت لرفيقي الشيخ صادق قاموسي والشيخ عبد الهادي الأسدي سأذهب وأرى إن منعونا فقد أدينا ما علينا من إحياء لهذا اليوم، وإن لم يمنعونا فقد حصلنا على ما نريد (...) ودخلنا كربلاء ولم يكن فيها أحد وكانت خالية من الزوار، وقد أنتج الإخلاص هذا المنطقة كلها وليس كربلاء مزدحمة ومكتظة في ذكر أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه النعمة لم نكن نتصورها في عالم الرؤيا ولكنها أصبحت حقيقة والحمد لله، الكل يشارك فيها ويؤدي خدمته المطلوبة من المشي والخدمة، ولابد من شكر هذه النعمة (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7] (فلا تملوا النعم فتحور نقما) ولابد من استثمار هذه المناسبة لذكر أخلاق الإسلام وأخلاق القرآن الذي يؤكد فيها على مكارم الأخلاق (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34-35]، والتوكل على الله والتأكيد على الالتجاء الى الله وتأكيده على الرعاية له والخوف منه والرجاء إليه دائما تنبيه الى هذا فالقرآن من أوله الى آخره دائما يشير الى التذكير بهذه الامور والنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في قولهم وسيرتهم على ذلك وكذا أصحابه يتبعوهم على هذا النهج الى أن وصلت القضية لنا فيجب علينا أن نؤدي وضيفتنا، ولابد من أن نستفيد من هذه المدرسة فلا نجعل هذه المناسبات أمر مؤقت بعد ذلك كل شيء يرجع الى حاله ومكانه فلا يحصل منها على فائدة عملية، فلابد أن تكون هذه المناسبات واعز لتحفيز وزيادة الوضع الإيماني والأخلاقي والالتزام الديني وحسن التعامل وحسن الخلق، بحيث تؤكده في المؤمنين وتكون هذه المناسبات أداة تذكير لهم في كل سنة، فلابد ان لا تنسى هذه النعمة وأن لا يغفل عنها، لأنه إذا غفل عنها تسحب بصريح الآية الكريمة (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]، فلا بد للإنسان أن لا يغفل بل يجب أن يبقى شاكراً للنعم قولاً وعملاً، فقد أعطانا الله شيء ليذكرنا وينبهنا ويوجهنا فلابد أن شكر الله تعالى ليزيده فإذا كفرنا بذلك فأن الله يسلبه منا فلتكون هذه النعمة عبرة للمؤمنين وأن لا يكونوا من الغافلين.

ثم أشار سماحته رحمه الله الى أن يديم الله هذه النعم علينا وأن توحد شمل المؤمنين وأن لا تكون للنعرات والخلافات بين بعضنا البعض سبباً لسلب هذه النعم (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، وكل من له وجهة نظر فيلزم أن نحترم وجهة نظره من دون مهاجمة الآخرين مما يسبب الانشقاق بيننا (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]، (كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة: 21]، ولكن هذا على أيدينا أم على أيدي غيرنا هذا نحن وتوفيقنا وإن شاء الله العاقبة للمتقين (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل: 128].

ونسأل الله حسن العاقبة وصلاح الأحول وحسن المآل.

ما هي أهم الدروس التي نستلهما من هذه المناسبة؟

إن أهم الدروس أن نلتزم بديننا في تعاملنا وفي سلوكنا في عادتنا في تقاليدنا فلابد أن نراها موافقة للدين أو مخالفة فإن كانت موافقة فالحمد لله رب العالمين وإن كانت مخالفة نصلحها وهذه ليس بقضية صعبة -إصلاح الحال لما يوافق الدين- والجو الآن قابل لإصلاح الحال، وأن الحسين (عليه السلام) كل ما عنده هو الإصلاح والتذكير بالله ودعائه في أواخر ساعاته التأكيد على الارتباط بالله والدعاء إليه والإلتجاء إليه، والمواعيد ثابتة ولم تذهب (واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا) (وينصبون لهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يُدرَس أثره ولا يعفو رسمه)، وهذا وعد صدق غايته أما على أيدينا أو على أيدي غيرنا، نحن وتوفيقنا، (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}[محمد: 38]، وإن شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا أهل لتحمل المسؤولية وأداء الواجب والله أرحم الراحمين وأسألكم الدعاء.