ثمرة ’فاجعة الطف’: التوجّه الديني في المجتمع الإسلامي

من الطبيعي أن يكون لفاجعة الطف بأبعادها السابقة وتداعياتها السريعة أثرها العميق في المسلمين، بحيث أدت إلى يقظة كثير منهم، ورجوعهم لدينهم، واهتمامهم بالتعرف عليه وتحمل ثقافته، لعدة عوامل أفرزتها واقعة الطف وتداعياتها السابقة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

أولها: الشعور بتدهور المجتمع الإسلامي وابتعاده عن الدين وتقصيره في أمره، بنحو يستوجب تأنيب الضمير على ذلك.

خصوصاً بعد أن ركّز أهل البيت (صلوات الله عليهم) وشيعتهم على عظم الجريمة، واهتموا بإحيائها والتذكير بها، بإقامة المآتم، وزيارة قبر الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، ورثائه، وما يجري مجرى ذلك.

حيث يكون ردّ الفعل المناسب لذلك من كثير ممن لهم جذور دينية هو ترك السلطة ومن يتنازع عليها جانباً والرجوع للدين، والتعرف عليه، والتمسك به.

ثانيها: معاناة الناس من السلطة الجائرة، ومن تدهور الأوضاع نتيجة الصراعات والفوضى. فإن ردّ الفعل المناسب لذلك والميسور لعامة الناس- ممن لا حول له ولا قوة- هو الانكفاء على النفس، والبعد عن الفتن، واللجأ إلى الله عز وجل، وطلب رضاه بالرجوع لدينه، والتزام تعاليمه الشريفة.

ولاسيما بعد أن ظهر على السلطة الاستهتار بالدين والإستهانة به؛ فإن ذلك يؤكد الاندفاع نحو الدين، لكونه مظهراً إرادياً أو لا إرادياً للتحدي العملي للسلطة، والاحتجاج الصامت عليها، الذي فيه السلامة من خطر الاحتكاك بها، مع ما فيه من فضح السلطة، والتنبيه لسلبياتها.

ولعل لهذين الأمرين أعظم الأثر في الصحوة الدينية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية في أيامنا هذه بعد موجة التحلل من الدين، تبعاً للغرب والشرق الماديين، فهي ردّ فعل لظهور العدوان من الشرق والغرب، وتجاوزهما على حقوق الشعوب.

ثالثها: قوة التشيع وانتشاره بعد فاجعة الطف: حيث أن من أبرز مفاهيم التشيع وتعاليمه ضمّ العمل للعقيدة، فقد استفاض عن النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (صلوات الله عليهم) أن الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان‌ (1). وأكدوا (صلوات الله عليهم) على العمل كثيراً.

وكان التدين والالتزام بالأحكام الشرعية من السمات البارزة في الشيعة، وقد سبق عن سفيان الثوري قوله: «وهل أدركت خيار الناس إلا الشيعة؟»، وسبق عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (صلوات الله عليه) ما يناسب ذلك‌ (2).

وذلك ينضم للعاملين السابقين في تنبيه عامة المسلمين لدينهم، وتحفيزهم على العمل بأحكامه، والتعرف عليها وعلى واقع دينهم في العقائد والفقه والسلوك والأخلاق.

الهوامش:

  • نهج البلاغة ج: 4 ص: 50. الخصال ص: 178 ح: 239، ص: 179 ح: 241. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ج: 2 ص: 204. سنن ابن ماجة باب في الإيمان. المعجم الأوسط ج: 6 ص: 226، ج: 8 ص: 262. تفسير القرطبي ج: 1 ص: 372. الدر المنثور ج: 6 ص: 100. تاريخ بغداد ج: 1 ص: 271 في ترجمة محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الله. تهذيب الكمال ج: 18 ص: 82 في ترجمة عبد السلام بن صالح. سير أعلام النبلاء ج: 15 ص: 400 في ترجمة علي بن حمشاذ. وغيرها من المصادر الكثيرة.
  • تقدمت مصادرهما في ص: 382.
  • المصدر: مقتطف من كتاب فاجعة الطف للمرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص418-419.