زينب (ع).. عندما تواجه المرأة الطاغوت توقظ الضمائر!

حاول بنو أمية (لعنهم الله) بكل ما يملكون من تجبر وطغيان إركاع الثورة الحسينية بإركاع رموزها وما انفكوا يقرعون طبول الغدر والخيانة ليجتمع الناس حولهم بغية ردع الثورة وقهر الثوار ولكن مشيئة الله كانت هي الأقوى لإعلاء كلمة الحق ونصرة الدين وفضح الباطل ومن الرموز التي حاول الأمويون قهرها وإطفاء نورها هو شخص السيدة زينب (عليها السلام). 

فقد حاولوا جاهدين إخضاعها أمام تلك المصائب التي توالت عليها والمحنة التي عانتها بعد مقتل أخيها الحسين (عليه السلام) ليقتلوا بذلك آخر نفس في البيت الهاشمي. وليخمدوا صوت الحق ويطمسوا معالم الصدق بخبثهم ومكرهم.

ولكن عميدة البيت الهاشمي الرفيع أبت إلا أن تقف صامدة بوجه تلك الطغمة الأموية الفاسدة.

فخيبت آمالهم وكسرت اصنامهم وهزت عروشهم بصوت علي والحسين (سلام الله عليهما)، فكان لها (عليها السلام) الدور البارز والمهم في الحيلولة لمنع الإعلام الأموي آنذاك من نشر بدعه وظلالته وآراءه الفاسدة المزيفة التي نسجتها يد المكر والخديعة وحاكتها أصابع الشيطان الغوي بما ينسجم مع مصالحهم الخاصة، فقد وقفت (عليها السلام) بوجه الدعايات الأموية المختلفة التي اصطنعوها ليبرّروا بها شناعة فعلهم وعظم جرمهم بقتل الحسين (عليه السلام).

ومن المعلوم أن الوسائل الاعلامية يومها كانت بيد الحكومة الجائرة المتمثلة بحكومة يزيد (لعنه الله)، فقد قاموا بشن حملة دعائية واسعة المدى ضد الثورة الحسينية لتبرير الجرائم الشنيعة التي ارتكبوها مع الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، ولكي يقنعوا العامة من الناس ويمتصوا غضب الخاصة منهم ممن كان يوالي أهل البيت (عليهم السلام) ولجعلهم يدورون في فلك الحكم الأموي محققين بذلك المصالح والمطامع التي من أجلها تسلقوا على أكتاف المسلمين ليصلوا إلى ما وصلوا إليه.

ومن جملة الأمور التي ركزوا عليها هو سلب الشرعية عن الثورة الحسينية وجعلها غطاءً لهم، فزعموا بأن الحسين (عليه السلام) جائر بخروجه على يزيد (لعنه الله) فيزيد خليفة المسلمين والإمام المفترض الطاعة، ولا يحق للحسين (عليه السلام) أن يتمرد على إمام زمانه فإن لم يبايع ويتبع حَلَّ دَمُهُ وكان من العاصين خصوصاً بعد ما أيدوا هذا المعنى ببعض الكتب التي علقوها على أبواب المساجد ممن باع دينه بدنياه من أبواق الظلمة وأتباع الشيطان كشريح الشقي (عليه لعائن الله)، ومما ساعد على نشر هذه الأضاليل وتصديق الناس إياها ما كان يتمتع به المجتمع الأموي من مبادئ معادية للخط الرسالي لأهل البيت (عليهم السلام) بسبب التربية الأموية لذلك المجتمع الذي سرعان ما تلقف بدعهم وضلالاتهم، كونه مغرساً جيداً لها فنبت بذور الشرك والإلحاد لتنتج مجتمعاً معوجاً منحرفاً عن الجادة الحقة منقاداً لآراء أَسيادِهِ الأمويين منسجماً مع أهواءهم جاعلين منه أداة لقمع أئمة الحق واتباع الهدى.

فكانت هذه العوامل وعوامل أخرى سبباً في منع السيدة زينب (عليها السلام) من إبلاغ رسالتها بصورة طبيعية، بل كانت تصب في مصلحة العدو وداعماً قوياً لدعايتها ضد أهل البيت (عليهم السلام) وحائلاً دون نجاح مهمة العقيلة (عليها السلام) في إتمام دورها كحاملة لرسالة ابي الأحرار (عليه السلام).

ولكن تلك المرأة العظيمة التي ساخت الجبال وما ساخ صبرها وقفت بكل إصرار وقاطعية وبدون أي تردد أمام تلك العقبات لتذللها العقبة تلو الأخرى بروح ملؤها الإصرار والحزم، حتى شاء الله اسمه أن تكون المتممة لمسيرة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

فقد وقفت بتلك النفس المتعالية السامقة المملؤة عزماً وثباتاً مصرة على مقارعة الباطل بكل أطيافه فاضحة للناس حقيقة يزيد وأتباعه الجبابرة ومدى تنكبهم عن الصراط المستقيم واستهانتهم بمقدرات الأمة ودماء المسلمين، فكان ذلك تعرية لحكومة يزيد وأتباعه الظلمة.

فما كان منها (عليها السلام) إلا أن تتصدى بنفسها للخطابة جهاراً أمام الناس رجالاً ونساءً وهي المخدرة بل سيدة المخدرات التي ما رؤى لها شخص وما سمع لها صوت.

ولكن الطابع الخاص للظروف التي مرّت بها السيدة زينب (عليها السلام) ومقتضيات المنهج الذي حارب من أجله الحسين (عليه السلام) ودواعي إتمام المسيرة الحسينية وتخليداً لدماء الشهداء من آل البيت (عليها السلام) وأنصارهم وكشفاً لكثير من الحقائق الغامضة جعلها عازمة للتصدي بنفسها (عليها السلام) فوقفت صادعة بالحق ناطقة به كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد أومأت أن اسكتوا فسكتوا فارتدت الأنفاس وسكتت الأجراس، ثم انحدرت (عليها السلام) كأنها السيل الهادر تتدفق الحكمة من منطقها.

وكان لهذه الخطبة العصماء أثرها الواضح في نفوس الناس مما جعلهم يضجون بالبكاء ندماً على ما فعلوه مع أئمة الحق ودعاة الصدق من الخذلان وعدم النصرة.

فكانت هذه هي الخطوة الأولى في طريق الجهاد الزينبي إذ استطاعت (عليها السلام) أن تقرر حقيقة كبرى في أذهان الناس آنذاك بإماطتها حجب الباطل عن وجه الحقيقة لتنزع الشرعية المزعومة لخلافة يزيد وتكسر حاجز الظلال الذي آل إليه أمر الناس آنذاك، بسبب الفهم الفاسد لكثير من المعتقدات التي رسخها معاوية وأتباعه في أذهان بعض المسلمين ممن انجروا خلف الدنانير الأموية أو طليت عليهم الحيل الشيطانية التي تمتع بها معاوية ليظل الناس عن القيم الإسلامية الحقة ويسحبهم إلى جادة الباطل، خدمة للمصالح الأموية الاستبدادية اللامشروعة.

فبيّنت لهم بأن فعل يزيد الفاسق ومن نصره من رجالكم مريدي الدنيا وناصري الباطل وخاذلي الحق كان هدماً لركن الدين وفرياً لكبد النبي (صلى الله عليه وآله) ونكثاً لعهد الله وهتكاً لحرمة رسول الله (صلى الله عليه واله) وسفكاً لدمه الشريف، حتى كادت السماء أن تنفطر وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، فاستقرت لهم عن وجه فعلتهم الشنيعة وأشعرتهم بخسة أفعالهم وسوء منقلبهم وعظم جرمهم فأصبحوا يؤنب بعضهم بعضاً يتلاومون على ما فعلوه فتفرّقت كلمتهم وتبدّدت جموعهم وانشقت صفوفهم حتى آل أمرهم إلى الشتات.

وكان هذا أول مكسب حققته العقيلة (عليها السلام) على صعيد الثورة فقد أيقظت الضمائر النائمة وأثارت دفائن العقول وكشف عن زيف الباطل فحطمت تلك الادعاءات التي شمخت بها أنوف الكفرة ممن ينسبون إلى الإسلام وهو منهم براء. 

----------

*مقتطق من كتاب سفيرة الحسين (ع) - عن شعبة البحوث والدراسات