لماذا شاء الله أن يرى نساء الحسين (ع) سبايا؟

لماذا اصطحب الإمام الحسين، عليه السلام، النساء والأطفال معه في مسيره ونهضته المباركة؟ ألم يكن يعلم بالمأساة التي سوف تجري على عياله؟ وهل يعقل أن يعرض الإمام الحسين عليه السلام نساؤه وعياله للخطر؟

تكمن الإجابة عن هذا التساؤل هو في معرفة أسباب خروجه، إذ قال، عليه السلام، مبيناً السبب عندما اعترضه أخوه ابن الحنفية واستفهمه حول حمل تلك النساء معه في هذه الرحلة الشاقة المليئة بالمخاطر بقوله: "شاء الله أن يراهن سبايا".

ومن هنا، فلا بد من بيان هذه العبارة الشريفة التي صدرت من المعصوم (عليه السلام) وقبل بيانها لا بد من المرور على بعض التوضيحات:

 المراد من المشيئة الإلهية

المشيئة ابتداء العزم على الفعل، وأما الإرادة فهي العزم على الفعل أو الترك بعد تصور الغاية المترتبة عليه من خير، أو نفع أو لذة ونحو ذلك، وهي أخص من المشيئة، لأن المشيئة ابتداء العزم على الفعل فنسبتها إلى الإرادة نسبة الضعف إلى القوة، والظن إلى الجزم، فإنك ربما شئت شيئاً ولا تريده لمانع عقلي أو شرعي. وأما الإرادة فمتى حصلت صدر الفعل لا محالة ([1]). 

المشيئة التشريعية والمشيئة التكوينية

وتنقسم المشيئة الى قسمين هما المشيئة التشريعية والمشيئة التكوينية وسيتضح من خلال بيانهما معنى قول الإمام الحسين (عليه السلام): «قد شاء الله أن يراني قتيلاً، وقد شاء الله أن يراهن سبايا».

فمن المعلوم أن المولى عز اسمه شاء أن يخلق الدنيا ويجعلها دار اختبار للإنسان من خلال ابتلائه وامتحانه، وكذلك شاء تعالى أن يجعل في هذه الدنيا الأنبياء والرسل والأئمة، وشاءت قدرته أن يجعل هذا الانسان مركباً من العقل والغريزة وهذه الامور كلها هي من المشيئة التكوينية.

وأما المشيئة التشريعية:

فهي كون الله تبارك وتعالى شاء أن لا يعبد معه أحد بل تكون العبادة خالصة له وحده لا شريك له، وأوجب الايمان برسله وأنبيائه كافة، واقتضت مشيئته تعالى أن عباده يطيعون هؤلاء الأنبياء والرسل، وشاء أن فرض عليهم العبادات والمعاملات وشاء أن لا يظلم الإنسان أخاه الإنسان وغير هذه الامور المذكورة من التشريعات الإلهية وكلها ضمن مشيئته سبحانه.

إلا أننا نجد أن الخلط قد يحصل بين هذين القسمين  ولعل السبب في هذا الخلط راجع الى إيجاد المبرر والعذر لتبرير ما يقترفه الانسان من ذنوب ومعاصٍ وتعدٍ لحدود الله تعالى، فعلى سبيل المثال؛ قد يقتل شخص شخصاً آخر وغرضه من هذا الفعل هو  السرقة ثم يعتذر عن هذا الفعل بقوله: لو لم يشاء الله لم تزهق نفسه على يدي ولم أكن قاتلاً في حين أن الإنسان القاتل هو الذي شاء قتل أخيه بعد أن أطاع شهواته الشيطانية؛ فالموت هنا: مشيئة تكوينية، لكن طريقة الموت وهو القتل مشيئة تشريعية بمعنى: أن الله تعالى شاء حرمة القتل ونهى عنه وحذر منه وعاقب عليه لكن القاتل بيده شاء ذلك.

ومن هذا المنطلق نلاحظ ن القرآن الكريم لم يغفل عن هذا التقسيم بل تعرض له في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) ([2]).

وفي بيان هذه المسألة يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله، وقوله تعالى: (...قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ...) جوابهم للدعوة إلى الانفاق، وإنما أظهر القائل ـ الذين كفروا ـ ومقتضى المقام الإضمار للإشارة إلى أن كفرهم بالحق وإعراضهم عنه باتباع الشهوات هو الذي دعاهم إلى الاعتذار بمثل هذا العذر المبني على الاعراض عما تدعو إليه الفطرة من الشفقة على خلق الله وإصلاح ما فسد في المجتمع كما أن الاظهار في قوله: (الذين آمنوا) للإشارة إلى أن قائل (أنفقوا مما رزقكم الله) هم الذين آمنوا.

وفي قولهم: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) إشعار بأن المؤمنين إنما قالوا لهم: (أنفقوا مما رزقكم الله) بعنوان أنه مما يشاؤه الله ويريده حكما دينيا فردوه بأن إرادة الله لا تتخلف عن مراده فلو شاء أن يطعمهم أطعمهم أي وسع في رزقهم وجعلهم أغنياء.

وهذه مغالطة منهم، فقد خلطوا فيه بين الإرادة التشريعية المبنية على الابتلاء والامتحان وهداية العباد إلى ما فيه صلاح حالهم في دنياهم وآخرتهم، ومن الجائز أن تتخلف عن المراد بالعصيان، وبين الإرادة التكوينية التي لا تتخلف عن المراد.

ومن المعلوم أن مشيئة الله وإرادته المتعلقة بإطعام الفقراء والانفاق عليهم من المشيئة التشريعية دون التكوينية فتخلفها في مورد الفقراء إنما يدل على عصيان الذين كفروا وتمردهم عما أمروا به لا على عدم تعلق الإرادة به وكذب مدعيه.

وهذه مغالطة بنوا عليها جل ما افتعلوه من سنن الوثنية وقد حكى الله سبحانه ذلك عنهم في قوله: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) ([3]).

وقوله تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء ...) ([4]).

وقوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ...) ([5]).

وقوله عزّ وجل: (...إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). من تمام قول الذين كفروا يخاطبون به المؤمنين أي إنكم في ضلال مبين في دعواكم أن الله أمرنا بالإنفاق وشاء منا ذلك) ([6]).

فمن خلال هذا البيان يتضح أن الله عز وجل حينما شاء أن يرى مخدرات بيت الوحي سبايا فهذه المشيئة تكوينية، كي يرى صبرهن وتجلدهن في ذاته تعالى ـ أي ضمن إطار المشيئة التشريعية ـ ومن ناحية أخرى فالله تعالى وضمن المشيئة التشريعية إبتلى هذه الامة بولاية أهل البيت ( عليه السلام ) فكان ما أقدم عليه الجيش السفياني هو انتهاك للمشيئة التشريعية باعتبار أن الله تعالى لم يرتضِ الظلم و قتل النفس المحرمة، فيكون ما قاسوه من سبي وتشريد وقتل هو من من أعظم الانتهاكات التشريعية لما يترتب على ذلك من تعد على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وجميع الرسالات والتشريعات الإلهية.

---------

*مقتطف من كتاب سفيرة الحسين (ع) – عن شعبة البحوث والدراسات

([1]) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص35.

(([2] سورة يس: 47.

([3]) النحل: 35.

(([4] الأنعام: 148.

([5]) الزخرف: 20.

[6]) الميزان في تفسير القران: ج17، ص47.