المعروف بين أهل الإيمان أنّ هناك صيغتين لزيارة الإمام الحسين(صلوات الله عليه) يوم الأربعين: الأولى-قد وردت على لسان الصحابي جابر الأنصاري(رضوان الله عليه) ..، ولا غرض لنا بها هاهنا، وإنّما الكلام عن نصّ الزيارة الثانية بصيغتها المرويّة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وهي أقدم نصّ يؤسس لعنوان :"زيارة الأربعين" على نحو صريح، وما زال المؤمنون إلى يومنا هذا يتداولون قراءتها من مفاتيح الجنان عند زيارة الإمام في العشرين من صفر؛ ومن أجل ذلك كلّه: سنسلط ضوءاً على متنها بإبراز بعض فقراتها المهمّة، وتوضيح مفرداتها المبهمة:
-
ثلاث فقرات مهمّات:
في متن زيارة الأربعين مقاطع وجمل لا يسع استيعابها في مقال موجز، خذ مثلاً جملة:"وأعطيته مواريث الأنبياء"، فإنّها تختزل وتطوي، وتلفُّ وتُجمِل- ما تفرّق وفصّل في زيارة وارث.. لكن عملاً بقاعدة: مالا يدرك كلّه، لا يترك كلّه، فإنّنا نخصّ ثلاث فقرات مهمّة في هذه الزيارة الشريفة:
وهذه الفقرة بالغة الأهميّة؛ لأنّه تثبت أن مصطلح(زيارة الأربعين) مصطلح روائي يراد به زيارة الإمام الحسين في العشرين من صفر أي بعد مضي أربعين يوماً على استشهاده، ولذلك أدرج العلماء النصوص التي ورد فيها المصطلح آنفاً تحت عنوان: زيارة العشرين من صفر، أو زيارة الأربعين.( انظر-الطوسي: تهذيب الأحكام ٦ / ١١٣ ح ١٧ من باب ٥٢، ومصباح المتهجد،ص788).ومن ثمّ يندفع بهذه الفقرة أكثر من اعتراض على الزيارة نفسها، أو على غيرها، وفيما نموذجين من الاعتراضات المدفوعة بها:
الاعتراض الأوّل- إنّ"ادراج الطّوسي لها[الزيارة] في أعمال العشرين من صفر لا شاهد روائيّ عليه أصلاً"!!،ونؤكّد مرّة أخرى أنّ أساس الاعتماد في المقام ليس هو مجرّد ادراج الطوسي أو غيره على الرغم من أهميّة مثل هذا الادراج كما لايخفى على أهل العلم، إلا أنّ المعتمد هي فقرة من ضمن الرواية، و جزء من داخل متن الحديث أعني قول صفوان عليه الرحمة والرضوان: قال لي مولاي الصادق: في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار..!
الاعتراض الثاني- على حديث: علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين.. يقول صاحب الاعتراض مفسّراً عبارة"وزيارة الأربعين" في الحديث: "بعض الناس يتصور أن زيارة الأربعين هي زيارة الحسين في يوم الأربعين، لا، مش هيك [ليس هكذا، بل المقصود] زيارة أربعين مؤمن."، وبالرغم من عدم وجود أي أساس لهذا التفسير، فإنّ حديث صفوان في فقرته آنفاً يدفع هذا الاحتمال بشكل قاطع، ويفسّر المقصود على نحو واضح وساطع.
"الذي ظهر لنا من فوائد نهضة الإمام الحسين وثمراتها هو إكمال مشروع أمير المؤمنين في إيضاح معالم الدين، وسلب شرعية السلطة التي كانت تتحكم فيه، وتركيز دعوة التشيع، ودفعها باتجاه التوسع والانتشار. وبعد حصول ذلك كله بجهود الأئمة الأولين (عليهم السلام) وخاصة شيعتهم وتضحياتهم، التي بلغت القمة في فاجعة الطف، لا يبقى مبرِّر للتضحية من الأئمة الباقين (عليهم السلام) أو من شيعتهم (فاجعة الطف، ص493).
وهذا ما حدث بالفعل، فقد قرّبت كربلاء البعيد، واختزلت الطريق وأظهرت المخفي وبيّنت الملتبس وعرّبت المستعجم وأوضحت المشتبه، وميّزت الصفوف، وفصلتْ وبمنتهى الجلاء والوضوح بين الحق والباطل، والحجّة والشبهة، والحسن والقبح.. وفرزت العامر عن الغامر، والمنصف من المعاند والجاحد.!
وقد تناولتْ الفقرة الإشارة إلى ثلاثة مفاهيم: النصرة، والإعداد، والظهور:
- أمّا النصرة، فما ينبغي للزائر المؤمن معرفته أنّ نصرة أهل البيت وتأييدهم قوامها أولاً وقبل كلّ شيء تقع من الله تعالى وتأييده لهم، ثمّ نصرة المؤمنين ثانياً. {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62] غاية الأمر أنّ نصرة الله تعالى ثابتة، وتأييده لهم دائم ولا يخضع للزوال والتغيّر {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة: 40] وأمّا نصرة المؤمنين فتخضع لقانون الاستبدال والتغير "واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري".
- وأمّا الإعداد قبل المواجهة، والاستعداد الذي يسبق الحرب الفكرية أو الثقافيّة أو العسكرية.. فتتفق كلمة العلماء على أنّ مفهوم الإعداد مفهوم عام ثابت، وهو مطلوب على كل حال، إلا أنّ آلياته وكيفياته ومصاديقه تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فرباط الخيل في الآية مثلاً: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] يتناسب والمرحلة آنذاك، ولا شك أنّه يختلف عنه الآن، حيث الفضائيات وعالم النت ووسائل التواصل، والمناخ السائد غالباً هي الحرب الإعلاميّة والفكريّة والعقائديّة.
- وتشير جملة "حتى يأذن الله لكم" إلى الرجعة وعصر الظهور كما هو واضح، ويشهد له ما في الزيارة الجامعة الكبيرة: "وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يُحْيِىَ اللهُ تَعالى دينَهُ بِكُمْ، وَيَرُدَّكُمْ في اَيّامِهِ، وَيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ، وَيُمَكِّنَكُمْ فى اَرْضِهِ " ومعنى ذلك أن النصرة مستمرة، والاعداد قائم ودائم طيلة فترة الغيبة الكبرى، وأنّ منتهى ذلك ونهايته وغايته وحدّه ومنتهاه هو أن يأذن الله تعالى لدينه بالسيادة التامّة، والظهور المطلق، والغلبة الكاملة على كلّ الاتجاهات والمذاهب والأديان ويسود الأرض ويعمّ المعمورة كلّها؛ حتى لا يقول قائل: إنّا لو ولينا لعدلنا، كما في الخبر.. ولم يتحقق مثل هذا الظهور ولن يتحقق إلا في عصر الظهور الشريف؛ لذا جاء في الحديث الصحيح في تفسير قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قَالَ: يُظْهِرُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ..(انظر-الكافي،ج1،ص432).
***
- وأمّا مفردات الزيارة المبهمات، وعبائرها المجملات فأبرزها:
في الختام أشير إلى الإلتباس الواقع في فقرة: "أنّي بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي .."، فالشائع عند الكثير من المؤمنين هو قرائتها على أنّها مقطع واحد متصل و متواصل ودونما توقّف، بينما الصحيح هو التوقف ولو قليلاً في القراءة عند " بإيابكم"، ثمّ الإستئناف بعدها، وكتابياً ينبغي أن توضع فارزة بين الجملتين على النحو التالي: إني بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني..؛ لأنّ الجار والمجرور الأوّل (بإيابكم) متعلق بمؤمن، والجار والمجرور الثاني(بشرائع ) متعلّق بـ(موقن).
وقد طلب أحدُ المؤمنين من السيد الخوئي (ره) بيان هذه الفقرة وتوضيح متعلّق(بشرايع)؛ فأجابه السيد ما لفظه: "إذا قرأتَ هكذا: (أنّي بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني وبخواتيم عملي) يوضح لك متعلّق الجملة، أي الجارّ والمجرور متعلق بـ(موقن)، وكذا "بخواتيم عملي" معطوف على ما قبله، ومتعلق بموقن.(صراط النجاة،ج1،ص467)، ويشهد على ما أفاده رحمه الله: ما جاء في زيارة أبي الفضل العباس (عليه السلام): إنّي بكم وبإيابكم من المؤمنين..