هل الذنوب تؤخر ظهور الإمام المهدي (ع)؟

من الواضح أن هناك تداخل بين سنن الغيب وسنن الشهود، وإن هذا التداخل يتكامل في ما بينه ليحقق ما أراده الله للإنسان ومن الإنسان، وقضية الامام المهدي (عليه السلام) وفلسفة غيبته وظهوره لا يمكن استيعابها من خلال الأسباب الطبيعية واهمال الأسباب الغيبية.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فما يجب أن يفعله الناس له علاقة بسنن الشهود وهي جزء العلة وليس تمامها، كما أن الله لا يجري الأمور بسنن الغيب بعيداً عما يفعله الإنسان ويختاره، وعليه هناك جانبان في ما يتعلق بالغيبة والظهور، الجانب الغيبي الذي لا نعرف منه إلا القليل ولكننا نطمئن بوجوده، والجانب الاخر وهو السنن الطبيعة المتعلقة بالشروط الموضعية لإنجاح المشروع، وبذلك يمكننا القول إن الحِكمة من الغيبة والظهور في جانبها الطبيعي هي توفر الشروط الموضوعية والتي من بينها ترك الذنوب والمعاصي وتهيئة الأنصار الذين يستعين بهم الإمام لإقامة دولة العدل الكبرى، وقد أكدت الروايات على كلا الجانبين، فبعض الروايات تؤكد على مسؤولية الإنسان عن الغيبة والظهور، وروايات أخرى تجعل ذلك بيد الله وحده، فمثلاً من الاخبار التي تحمّل الإنسان مسؤولية الظهور ما جاء على لسان الإمام الحجة كما في كتاب الاحتجاج قوله (عليه السلام): (ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل)، وفي توقيع آخر عن الإمام الحجة يجعل أمر الظهور بيد الله تعالى وحده، ففي الاحتجاج عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام: أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة.. إلى أن يقول: وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون.. ثم يقول: وأما علة ما وقع من الغيبة فان الله عز وجل يقول: ""يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"" إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل). وفي علل الشرائع للصدوق قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الامر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل فقلت له ولم جعلت فداك؟ قال لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ان وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلا وقت افتراقهما يا بن الفضل: ان هذا الامر أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بان أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا)

ومما لا شك فيه أن ذنوب العباد وابتعادهم عن الله وصدهم عن الحق لها أثرها في ذلك، وعلى اقل التقدير فإنها تؤدي إلى حرمانهم من التشرف بنصرته والعيش في ظل دولته، ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت، حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أبداً)، فذنوب المذنبين لا تضر بالمؤمنين المشتاقين لظهوره الشريف، فليس على المؤمن غير الاستقامة والصبر على البلاء فإن لم يرى ثمرة ذلك في الدنيا مع بقية الله المنتظر سوف يراه بلا شك في الجنة، ومن هنا يجب على كل مؤمن البحث عن تكليفه الشرعي والالتزام بكل ما يدخل السرور على قلب إمامه ومن ثم الاجتهاد في الدعاء بتعجيل فرجه الشريف، فقد جاء في دعاء العهد: (اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي، لا أحول عنها، ولا أزول أبدا، اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه، والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته، والمستشهدين بين يديه. اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما، فأخرجني من قبري، مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي، مجردا قناتي، ملبيا دعوة الداعي، في الحاضر والبادي..)