ما حقيقة تواجد الإمام المهدي (ع) حالياً في المدينة المنورة؟

وردَ في روايةٍ عن أبي بصيرٍ عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ : « لابدَّ لصاحبِ هذا الأمرِ مِن غيبة، ولابدَّ له في غيبتِه مِن عُزلة، ونعمَ المنزلُ طيبة، وما بثلاثينَ مِن وحشة » [الكافي ج1 ص340، الغيبةُ ص194]، وهوَ يفيدُ اعتزالَه عن العالم، فتدلُّ الروايةُ على تحقّقِ النوعِ الأوّلِ في غيبةِ الصاحبِ (عجّلَ اللهُ فرجَه).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 

ولكنَّ كونَ (طيبة) ـ يعني المدينة ـ منزلاً له، قرينةٌ على أنَّ العُزلةَ ليسَت بنئيهِ في مكانٍ بعيدٍ غيرِ مسكون، بل اعتزالهُ عن مخالطةِ الناسِ في أيّامِه الاعتياديّةِ بحيثُ يدخلونَ عليه ويدخلُ عليهم ونحو ذلك، فهذهِ الروايةُ لا تدلُّ على اعتزالِه وسكنِه في مكانٍ بعيدٍ منَ الأرض ـ كما هوَ مفروضِ الصنفِ الأوّلِ منَ النوعِ الأوّل ـ، فضلاً عن خروجِه مِن هذا العالمِ واستقرارِه بعالمٍ آخر ـ كما في الصّنفِ الثاني منه ـ.

بل إنَّ القولَ بأنَّ الإمامَ (عجّلَ اللهُ فرجَه) خرجَ عن هذا العالمِ ودخلَ في عالمٍ آخر ـ كما في الصنفِ الثاني منَ النوعِ الأوّل ـ مخالفٌ لضرورةِ وجودِ الحُجّةِ الإلهيّةِ في الأرض؛ إذ بخروجِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) تخلو الأرضُ منَ الحُجّة؛ لأنّه آخرُ الأئمّةِ المعصومينَ (عليهم السلام)، وخلوُّ الأرضِ منهُ يستلزمُ الفساد؛ إذ لولا الحجّةُ لساخَت الأرضُ بأهلِها.

وبهذا يظهرُ الجوابُ عن السّؤالِ التالي : (كيفَ تفسّرونَ هذهِ الغيبة؟) فإنّ تفسيرَنا لغيبةِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) ـ الذي عليهِ العلماءُ ـ أنّها غيبةُ الهويّةِ والعنوان، لا غيبةَ الشخصِ والذات.

كذلكَ يظهرُ الجوابُ عن السؤالينِ الآخرَين: (كيفَ لإنسانٍ أن يكونً في الغيب؟ هل واحدٌ منَ الرسلِ دخلَ في الغيب؟) فإنّهُما ظاهرانِ في تفسيرِ الغيبةِ بعدمِ تواجدِه في مجالِ الرؤيةِ لدخولِه في عالمٍ آخر، وهذا التفسيرُ باطلٌ، ويلزمُ منه خلوّ الأرضِ منَ الحُجّةِ الإلهيّة، والصحيحُ أنّ غيبةَ الإمامِ (عليهِ السلام) هي غيبةُ العنوانِ والهويّة، لا غيبةُ الشخصِ والذات.

الحاصلُ: إنَّ غيبةَ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) هيَ غيبةُ العنوانِ والهويّة ـ كما دلَّت جملةٌ منَ الروايات ـ، لا غيبةَ الشخصِ والذات، ومثلُ هذا النوعِ منَ الغيبةِ ممكنٌ عقلاً، ومُتحقّقٌ فعلاً، ولا يمكنُ لأحدٍ إنكارُه وجحوده. وهذا التفسيرُ هوَ الأقوى عندَ الطائفة.

وأمّا تفسيرُ غيبتِه (عليهِ السلام) باحتجابِ ذاتِه عن الرؤيةِ مع وجودِه في مجالِ الإدراك، فهوَ ـ مع احتمالِه وظهورِ بعضِ الأخبارِ فيه ـ ليسَ راجحاً؛ لأنَّ التفسيرَ بغيبةِ العنوانِ أقوى. وأمّا تفسيرُ غيبتِه (عليهِ السلام) باحتجابِ ذاتِه بخروجِه عن مجالِ الرؤيةِ، فهوَ ضعيفٌ، ولا تشهدُ عليه الروايات، بل الصنفُ الثاني منهُ باطلٌ لاستلزامِه خلوَّ الأرضِ منَ الحُجّةِ الإلهيّة.