‏‏زواج القاصرات ’جريمة’.. هل يمكن ضبط سن الزواج بالأرقام؟!

يطرح الماديون ما يعبّر عنه بـ "زواج القاصرات" كجريمة ‏مكتملة الأركان ‏تساهم في هدم المجتمع‏، ‏وهذه الجريمة هي "جريمة شرعية" كما يتم تسميتها لأن الشرع أجاز تزويج البنت في سن مبكرة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وهذه السطور التي أمامكم، اقتطفها "الأئمة الاثنا عشر" من مقابلة متلفزة لسماحة الشيخ أحمد سلمان أجاب فيها عن عدد من التساؤلات المهمة في هذا الملف:

متى تخرج البنت ‏عن كونها طفلة عن كونها قاصر إلى كونها بالغة رشيدة؟

يقول صاحب الإشكال: إن سن (15) ‏هو الأقرب إلى الواقعية من حيث تكوين الأنثى، وكذلك وفقاً لتأكيدات العلوم الحديثة سيما وأن أغلب الزيجات في التاريخ في هذا العمر لم تفشل، وبذلك لا يكون سن الـ 9 أعوام مناسباً لتزويج البنت.

وفي الجواب:

في فرنسا ‏أو فنلندا -مثلا- ‏يحددون ‏أدنى سن للزواج هو 21 سنة، ‏وهذا الرأي الذي قدمه صاحب الإشكال -أي تزويج البنت في عمر 15 سنة- ‏بنظر ‏الفرنسيين هو جريمة!

وفي المقابل، ‏لو ذهبت إلى نيوزلندا ستجد أن أدنى سن للزواج هو ٢٠ سنة، وهي تجرّم تزويج البنت في عمر أقل، ‏ولو أن نيوزلندية عمرها 20 سنة ‏ذهبت الى فرنسا ‏تكون قد ارتكبت جريمة بحق ‏المجتمع الفرنسي، ‏كذلك في بعض الدول تعتبر سن الـ 19 سنة هو المناسب للأنثى للزواج و ‏17 سنة في دول أخرى وبعضها 16 و14 سنة.

في الولايات المتحدة ‏الأمريكية وهي دولة واحدة ‏لم تستطع ضبط سن الزواج، في الولايات ستة او سبعة أعمار مختلفة في حدود سن الزواج للأنثى، ‏بل هناك ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية ‏السن الأدنى للزواج فيها هو 12 سنة!

هذا الاختلاف الكبير في العالم في تحديد السن الأدنى للزواج، ‏سببه عدم إمكانية ضبط هذا الأمر بلغة الأرقام ‏بسن واحدة، واليوم في العالم ‏لا يوجد اتفاق على تحديد سن القصور ‏ومنه سن البلوغ، ‏الذي من خلاله تستطيع المرأة أن تتزوج فتحديد صاحب الإشكال لهذا السن في دول أخرى جريمة.

 لذلك السؤال ينبغي أن يكون هكذا: ما هو المعيار لزواج الأثنى؟ 

والإسلام لكونه يعلم أن هذا الأمر لا ينضبط بسن معين، حدد سناً أدنى لا من باب التشجيع وإنما ‏الإباحة. ‏ولكنه وضع قواعداً عامة ‏منها قاعدة ‏الإطاقة وعدم الضرر، فقد تتضرر المرأة في سن التسع والعشر سنوات فيسيولوجيا، فإذا ثبت هذا الضرر يحرم الزواج في هذا السن.

وعليه فإن ما ذكره الفقهاء في الرسائل العملية هو حكم أولي، ‏وإلا فإن الأحكام الثانوية حاكمة على الأحكام الأولية.

على سبيل المثال: في ‏الرسالة العملية يقول لك الفقيه يجب عليك أن تصوم في شهر رمضان ‏ولكن إذا ثبت طبياً أنك تتضرر ‏بالصيام ‏يحرم عليك الصوم!

الشارع المقدس يجوز العقد للبنت في سن 9 سنوات، ‏لكن اليوم ‏طبياً ثبت أن الميل للأطفال ‏هو "مرض البيدوفيليا" وهذا شرعاً يصبح محرّماً لأنه أمر خطير ‏ويهدم المجتمع.

‏وعليه لابد أن نفهم المسائل الشرعية ونعرف كيف نتعامل معها.

‏ومن هنا وضع الإسلام مجموعة من القواعد العامة ‏منها قاعدة لا ضرر وغيرها من القواعد ‏لعلمه بأن القضية لا يمكن ضبطها بالأرقام بهذه السهولة.

الأمر الآخر هو "قضية الرشد"، إذ أنها ليست قضية نوعية، ‏فلا توجد عندنا ‏نساء يصلن إلى مرحلة الرشد في نفس السن، فهي متفاوتة وتختلف من مجتمع إلى آخر، ‏ولعله من عائلة إلى أخرى ‏ومن قبيلة إلى أخرى، ‏ولذلك فإن قضية زواج القاصرات ‏لم تكن قضية فردية فقد ‏كان هذا الأمر منتشرا في كل العالم ‏ودونك موسوعة قصة الحضارة لـ " ويل ديورانت" ‏الذي ذكر ‏في كل حضارة سن الزواج عند ‏كل العالم تقريباً، وكان سن الزواج فيه يتراوح ما بين تسعة واثنا عشر سنة ‏فالقضية كانت مضطربة.

نعم اليوم في العصر الحديث ‏في ظل تغير نمط الحياة وتغير الاستعداد بالنسبة للمرأة أنا وأنت ‏وكل عاقل نتفق أن بنت تسع سنوات وبنت 10 سنوات وبنت 12 سنة وبنت ١٣ سنة تزويجها وتحميلها مسؤولية الأسرة خطر كبير جداً ‏نتفق في هذا، ‏لكنه لا يصطدم مع الشارع المقدس ‏لأنه كما قلنا حكم أولي ‏كان ينسجم ‏مع معطيات ذلك الزمن، أما ‏اليوم تغير الزمن فلابد أن نفهم الشارع وفق الأحكام الثانوية ‏التي تعطي للدين هذه المرونة.

إباحة الزواج في هذا السن ومنطقة الفراغ التشريعي ‏يمكن للحاكم الشرعي او الفقيه أن يحكم فيها ‏وأن يضبطها ‏بنوع ما، ‏فالحلول موجودة والمشكلة ليست ‏في المسائل الشرعية ‏بل في التطبيقات الاجتماعية التي تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض.