رفقاً بـ ’القوارير’.. لا يجوز ضرب الزوجة لغير هذا السبب!

﴿.. وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾(1).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

لم يشرّع الإسلام ضرب المرأة إلاّ في هذا المورد المشار إليه في الآية الشريفة، أي عندما تنشز الزوجة وتتعالى وتستكبر وتتجاوز حقَّ الزوج ويتعذّر إقناعها بالتخلِّي والإقلاع عمّا هي عليه من تجاوزٍ واستكبار بواسطة الموعظة المتكرّرة ثمّ الإعراض عنها في المضجع.

عندئذٍ يسوغ ضربُها إذا أحرز أنّ ذلك سينفعُ في إنهاء حالة النشوز عند زوجته وإلاّ لم يسغ له ضربها، لأنّه ليس الغرض من الضرب هو التشفِّي والانتقام لنفسه وإنّما هو التأديب والتأنيب وإشعار الزوجة أنَّ الأمر قد بلغ مرحلة تُنذر بانتقاض بناء الأسرة، فقد تكون الزوجة في غفلةٍ عن ذلك نتيجة شعورها بالعزّة أو اغترارها بجمالها أو مالها أو عشيرتها أو أولادها، فقد يُوهمها ذلك أنَّ زوجها لن يفرِّط فيها وأنَّ ما هي عليه من جمال مثلاً يحولُ دون اتّخاذ الزوج قرار طلاقها فيبعثُها ذلك نحو التمادي والاستعلاء وتجاوز حقِّ الزوج فيكون ضربها إيذاناً بوصول العلاقة إلى مرحلةٍ قد تكون المرحلة التي تليها هي الطلاق، ومن هنا يتسبَّب ضرب الزوجة في أنْ تُراجع حساباتها وتستعيد رشدها.

ولأنّ الغرض من الضرب هو الإنذار والتنبيه على وصول العلاقة لمرحلة جدّيّة وخطيرة فإنّ ذلك يقتضي أنْ لا يتجاوز الضرب حدَّ الغرض المذكورفيكون ضرباً مبرحاً أو موجباً للإيذاء والإدماء أو الكسر أو الرضّ أو حتّى أدنى من ذلك، فلا يجوز ضربُها بما يُنتج اسوداد البدن أو احمراره، فلو فعل ما يُوجبُ ذلك كان مُداناً، وعليه الضمان والدية بل والقصاص أيضاً إذا تعمّد إيقاع ما يُوجبه.

ثمّ إنّه لو اتّخذ معها هذا الإجراء الأخير فلم ينفع وأصرّت على حالة النشوز والاستعلاء وعلم منها التمادي في ذلك وأنّها لن تُقلع عمّا هي عليه فعندئذٍ لا يسوغ معاودة ضربِها، لانتفاء الغرض من ذلك بل لا يجوز له أن يتوعَّدها بالضرب أو بما لا يسوغ قولُه، ويتعيَّن عليه رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي أو التوافق على اتّخاذ حكمين واحدٍ من أهله وآخر من أهلِها لينظرا في شأن هذه العلاقة علَّهما يصلان إلى حلٍّ يُرضي الطرفين وينهي حالة التأزّم بينهما، وعليهما أنْ يستفرغا وسعهما في الإصلاح، فإنْ تكلَّل جهدهما بالنجاح فبها ونعمت وإلاّ فسبيلُ علاقةٍ حكمتْ عليها الظروف بالفشل هو الطلاق.

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنّه لا يجوز للزوج ضربُ زوجته لمجرَّد الاختلاف فضلاً عن حالات التوافق، وأنَّ ضربها والحال هذه يكون عدواناً وظلماً، بل لا يجوز إيذاؤها بالقول وتبكيتها وزجرها وإهانتها، نعم يسوغُ له ضربُها في حالة خاصَّة جداً على أن لا يكون الضرب مبرحاً أو لغرض التشفّي وإنّما لغرض الإصلاح والتنبيه على بلوغ الأمر حداً قد تكون نتيجته انتقاض بناء الأسرة الذي اتَّخذت قرار تأسيسه معه بمحض اختيارها. وحتى يكون البحث مستوعَباً نرى من المناسب التنبيه على أمور:

حرمة إيقاع الظلم على المرأة

الأمر الأوّل: إنّ الإسلام ومن خلال خطاباته شدَّد على حرمة الظلم والقسوة وسوء الخلق والبذاء والفحش والجفاء، وأكَّد على أنَّ الظلم بجميع صوره تشتدُّ حرمته وتتغلّظ عندما يكون إيقاعه على ضعيفٍ لا يقوى على الانتصار لنفسه، كما حرصت الشريعةُ على ردٍّ أيِّ مظلمة مهما حقرت وأنّ الظالم يظلُّ موزوراً ومثقلاً بظلمه ما لم يمحُ آثار مظالمه، فإنْ كانت من جنس الأموال وجب ضمانها، وإنْ كانت من قبيل الأعراض أو الإساءات النفسانيّة وجب جبرها، وإنْ كانت من قبيل الجنايات وجب القصاص أو الدية، وكلُّ ذلك لا يُعفيه من الحدّ أو التعزير واللذان هما من وظيفة الحاكم الشرعي. ثمّ لا ينعتق الظالم بعد ذلك من ربقة ظلمه إلاّ بالتوبة والندم، ولا يقبل ذلك في بعض الموارد إلاّ بالاعتذار والتماس الرضا من المظلوم.

وسواءً كان المظلوم أجنبيَّاً أو كانت تربطه به علاقة نسب أو مصاهرة، فكما يحرمُ إيقاع الظلم وتترتّب آثاره عندما يكون المظلوم أجنبيَّاً فكذلك هو الحال لو كان المظلوم ولداً أو زوجة، فالعلاقة النسبيَّة أو السببيّة لا تبرِّر الظلم ولا تمحو آثاره، والغفلةُ المنتجة للتسامح في مراعاة حقوق القريب ليست من الإسلام في شيء، بل إنّ إيقاع الظلم على القريب أنكى وأشدّ قبحاً من إيقاعه على الأجنبي، ولعلَّ هذا هو منشأ الاستنكار في الآية الشريفة: "وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً" وكذلك. قوله تعالى: ﴿.. أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾(2).

ونرى من المناسب هنا نقل بعض الروايات تيمناً وإتماماً للفائدة:

الرواية الأولى: عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): "اتقوا الظلم فإنَّه ظلماتٌ يوم القيامة".

الرواية الثانية: عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾، قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة".

الرواية الثالثة: عن أبي عبد الله (ع) قال: "ما مِن مظلمةٍ أشدُّ من مظلمة لا يجدُ صاحبُها عليها عوناً إلا الله".

الرواية الرابعة: عن عليٍّ (ع) قال: قال رسول الله (ص) "يقول الله عز وجل أشتدَّ غضبي على من ظلمَ مَن لا يجدُ ناصراً غيري".

الرواية الخامسة: عن أبي جعفر (ع) قال: الظلم ثلاثة ظلم يغفره الله، وظلم لا يغفره الله، وظلم لا يدعه الله، فأمَّا الظلم الذي لا يغفره فالشرك، وأمَّا الظلم الذي يغفره فظلمُ الرجل نفسه فيما بينه وبين الله، وأمَّا الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد".

الرواية السادسة: عن أبي عبد الله (ع) قال: "لا تكلمن بكلمة بغي أبدا" وورد عنه (ع) أنَّه قال: "إنَّ أعجل الشرِّ عقوبةُ البغي" وقال(ع): "إنَّ إبليس يقولُ لجنوده ألقوا بينهم الحسد والبغي فإنَّهما يعدلان عند الله الشرك".

الرواية السابعة: فيما ناجى اللهُ به موسى (ع): "لا تطوِّل في الدنيا أملك فيقسو قلبُك، والقاسي القلب منِّي بعيد".

الرواية الثامنة: في وصية رسول الله (ص) لعليٍّ (ع) قال: "يا عليّ لكل ذنبٍ توبة إلا سوء الخلق فإنَّ صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب".

الرواية التاسعة: عن أبي جعفر (ع) قال: "قال رسول الله (ص): "إنَّ الله يبغض الفاحش البذيء".

الرواية العاشرة: عن أبي عبد الله (ع) قال: "البذاء من الجفاء والجفاء في النار".

الرواية الحادية عشر: عن أبي عبد الله (ع) قال: "الكبر رداء الله، فمن نازع الله شيئاً من ذلك أكبَّه في النار".

الرواية الثانية عشر: عن أبي عبد الله (ع) قال: "إنَّ في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقر، شكى إلى الله عزَّ وجل شدَّة حرِّه وسأله عزَّ وجلَّ أنْ يأذن له أن يتنفَّس فتنفَّس فأحرقَ جهنم".

الرواية الثالثة عشر: عن أبي عبد الله (ع) قال: "ثلاث إذا كن في الرجل فلا تتحرّج أن تقول إنَّها في جهنم: "البذاء والخيلاء والفخر".

الرفق بالمرأة

الأمر الثاني: لم يكتف الإسلام بالتشديد على لزوم مراعاة حقوق الزوجة والمعاشرة بالمعروف بل أمر بالرفق واللين والتسامح وتجاوز أخطائها والإغضاء عن بوادرها.

1- قال رسول الله (ص): "خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي".

2- عن إسحاق بن عمار قال: "قلتُ لأبي عبد الله (ع) ما حقُّ المرأة على زوجِها الذي إذا فعله كان محسناً قال: يُشبعها ويكسوها وإذا جهلت غفر لها".

3- في حديث المناهي عن رسول الله (ص) قال: "من صبر على خلق امرأة سيئةِ الخُلق واحتسب في ذلك الأجر أعطاه اللهُ ثوابَ الشاكرين".

4- قال رسول الله (ص): قول الرجل للمرأة: إنِّي أحبك، لا يذهب من قلبها أبداً".

معنى النشوز

الأمر الثالث: النشوز مشتقٌّ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، وتلٌ ناشز أي مرتفع وجمعه نواشز، ويُقال للدابة نشيزة إذا لم يكد يستقرُّ الراكب والسرج على ظهرها. ويقال نشزت المرأة بزوجِها وعلى زوجها إذا استعصتْ على زوجها وارتفعتْ عليه وأبغضتْه وخرجت عن طاعتِه وأساءتْ عشرتَه.

وهذا هو المعنى المقصود من الآية الشريفة حيث أفاد الفقهاء والمفسِّرون أنَّ الزوجة الناشز هي التي ساء خلقها مع زوجها وتعدَّت حقوقه واستكبرت وتمرَّدت وسعت لإغضابه دون وجهِ حق.

ومثل هذه المرأة لا يخلو حالها من أمرين، إمَّا أنْ تكون غاضبة لعارضٍ اقتضى هذا الخُلق السيء، وإمَّا أنْ تكون كارهة لزوجها لمبرِّرات شخصية أو عقلائية لا يرجى زوالها، والحالة الثانية لا يجوز معها الضرب بإجماع الفقهاء، وذلك لأنَّ الغرض من الضرب هو التذكير والتنبيه على بلوغ الأمر حداً لا يتعقبه سوى تقويض بناء الأسرة، فعندما تكون الزوجة حريصة على الإبقاء على هذا البناء فإنَّها ستتراجع عمَّا هي عليه من نشوز فمع افتراض أنَّ ثمة مبررات شخصيَّة أو عقلانية لا يرجى زوالها فإنَّ اتخاذ هذا العلاج لن يُساهم في معالجة المشكلة إن لم يساهم في تأزيمها، نعم مثل هذه الحالة قد ينفعُ معها الموعظة أو توسيط حكمين واحد من أهلها وآخر من أهله و إلا فلا سبيل سوى الطلاق.

وأما الحالة الأولى فغالباً ما تجدي معها الموعظة القائمة على أساس الرفق ومحاولة استيضاح مناشئ الغضب عند الزوجة والسعي لمعالجتها إنْ كانت عقلائية، فلعلَّ الزوج كان غافلاً أو قاصداً لأمر لم يكن مبرَّراً.

وإن لم تكن مناشئ الغضب عند الزوجة عقلائية كان على الزوج إيضاح ذلك لها ومحاولة إيقافها على سوء فهمِها لأساليبه وقراراته، فلعلَّها كانت غافلةً عن منشأ ذلك ممَّا حدى بها إلى تفسيرها بما أوجب غضبها، وحينئذٍ فإنْ اقتنعت الزوجة ورضيت وأنهَت حالة النشوز فلا سبيل للزوج عليها، ويلزمُه معاشرتها بعدئذٍ بالمعروف والإحسان، وإنْ أصرَّت على النشوز ولم تُجدِ معها الموعظة كان له اتِّخاذ إجراءٍ آخر معها، لعلَّها تثوب إلى رشدها، إذ أنَّ إصرارها على حالة النشوز رغم وعظها واستيضاح مناشئ غضبها والسعي من أجل حلحلتها يُعبِّر عن نوع استكبارٍ وشعورٍ بالاستعلاء وإرادة لابتزاز موقع الزوج في محيط الأسرة واستغلال حاجتِه إليها وتوهُّم أنَّ اتخاذ الإجراء الأول معها وهو الوعظ يُعبِّر عن حالة ضعف يستشعرُه الزوج تجاهها.

ومن هنا لابد من اتخاذ إجراءٍ آخر، علَّه يُجدي في تبديد حالة الوهم الذي أحاطت نفسها به، وهذا الإجراء هو من سنخ ما تشعره من كبرياء واستعلاء، إذ يعمد الزوج إلى أمضى سلاحٍ وأقوى وسيلةٍ تعتمدها الزوجة لإرغام زوجها وهو الجنس والمضاجعة، حيث هي تتوهَّم أنَّه أضعف من أنْ يقاوم هذه الحاجة الملحَّة ممَّا يحدو بها إلى التمرُّد على حقوقه مستشفعةُ بما تعرفُه من رغبته الشديدة في ذلك، فإذا ما هجرها في مضجعِها وأعرض عنها علمت أنَّه ليس ثمة من سلاحٍ تتوسَّلُ به لإرغامه واستضعافه بعد أن قاوم أمضى أسلحتِها وبعد أنْ استنفدت كَّل ما تملكه من وسائل الضغط، وحينئذٍ لا سبيل لها سوى إنهاء حالة النشوز بل قد ينتج هذا الإجراء إعجاباً في قلب الزوجة بزوجها، إذ أنَّ طبع المرأة ميَّال للرجل القوي ذي الإرادة الصلبة.

وعلى أي تقدير يكون الإعراض هو الإجراء الثاني لمعالجة حالة النشوز، وقد رُوعي فيه التكتُّم والسريَّة وعدم إظهار ذلك أمام الأولاد وبقية أفراد الأسرة حفاظاً على كرامة الزوجة، ولهذا نجد الآية الشريفة تقيد الهجران بالمضاجع فهو أليق بمشاعر الزوجة وأحاسيسها وأدعى لمراجعتها نفسها، إذ لو قد شعرت بالإهانة فإنَّه قد تتمادى وتُصرُّ على حالة النشوز انتصاراً لكرامتها وعزَّتِها أمام أولادها وبقية أفراد أسرتها.

وحينئذٍ فإنْ تراجعت والتزمت بحقوق زوجِها كان على زوجها إنهاءُ حالة الإعراض ويكون عليه معاشرتها بالمعروف، وإنْ أصرَّت على موقفِها فإنَّ إصرارها يُعبِّر عن عمقِ غرورها واعتدادها بنفسها وتشامخِها واستصغارها لقدر زوجها، إذ لا مبرِّر لهذا العناد بعد وعظِها واستيضاح مناشئ غضبها والمبادرة من قبل الزوج لمعالجتها ثم التحفُّظ على كرامتها من أنْ تُمس عندما اتَّخذ معها الإجراء الثاني، فلا تفسير لهذا العناد سوى الشعور بالاستعلاء والغطرسة، حيث افترضنا أنَّ الغضب لم ينشأ عن سببٍغير قابلٍ للزوال وإنَّما نشأ عن بعض العوارض التي قد يتَّفق حدوثها في كلِّ بيت، وقد سعى الزوج جاهداً- بحسب الفرض- لمعالجة أسباب الغضب، فعندما تُصرُّ الزوجة على حالة النشوز فإنَّ ذلك يُعبِّر عن وجود خللٍ كامنٍ في نفسيتها أرادت التنفيس عنه بواسطة ما تظهرُه من نشوز حادٍّ تبدَّدت معه كلُّ محاولات العلاج.

وهذا الخلل هو حبُّ الاستظهار والاستعلاء على الزوج، وهذه الحالة وإنْ كانت نادرة إلا أنَّها تحتاج إلى تقرير علاجٍ لها، ولابدَّ أن يكون متناسباً مع ما تتوهَّمه من شموخٍ نشأ عن اعتبارات غير واقعيَّة مثل الجَمال أو مستوى التعليم أو الموقع الاجتماعي الذي تتسنَّمه خارج محيط الأسرة هي أو عائلتها التي تنحدرُ منها.

وعندئذٍ يكون الضرب المعبِّر عن التوبيخ والتأنيب كفيلاً بتذكيرها بالتزاماتها تجاه أسرتها - التي قرَّرت هي و بمحض إرادتها المساهمة في تأسيسها- وتذكيرها بأن النشوز الذي هي عليه قد بلغ مرحلة تنذر بنقض بناء الأسرة والذي من المفترض أن تكون حريصة على تقويمه وتشييده لا أنْ تعمل على تقويضه ونقضه.

وهنا لابد من التأكيد على أن هذه الحالة نادرة الوقوع ولكنَّها تحتاج إلى علاج لو اتَّفق وقوعها، فضربُ الزوجة ليس مناسباً دائماً بل هو غير مناسبٍ غالباً. لكن ذلك لا يُلغي التناسب في حالاتٍ خاصة وإن كانت قليلة.

ومن هنا لا يكون تشريعُ ضرب الزوجة في ظروفٍ خاصة معبِّراً عن انتقاصٍ لقدر المرأة و إلا كان تسويغ ضرب الرجل في حالات خاصَّة -وعندما يجترح ذنباً- انتقاصاً لقدر الرجل، وهذا ما لا يلتزم به أحد، فالتأديب إنَّما جعل لحالاتٍ خاصة عندما يجترحُ المكلَّف خطأ معيناً، فإذا كان ثمة إهانة فهو لذلك المخطئ لا للجنس الذي ينتمي إليه ذلك المخطئ و إلا لزم تعطيل الحدود، وذلك لأنَّ إقامتها على مرتكب موجبِ الحدِّ يؤدِّي إلى إهانة الجنس الذي ينتمي إليه.

ويمكن القول إنَّ الزوجة عندما تُصرُّ على حالة النشوز تكون عاصيةً لله عزَّ وجل ومرتكبةً لذنب يلزم إنكاره بحسب المراتب المقرَّرة في إنكار المنكر والشروط المأخوذة فيها، فعندما يكون الفرضُ من قبيل الحالة الأولى وعندما لا تجدي الموعظة ولا يُجدي الإعراض والهجران في المضجع تتعيَّن المرتبة الثالثة لإنكار المنكر، وهي الإنكار باليد. وحياطةً للمرأة ورعايةً لكرامتها أُعطيت هذه المهمة للزوج دون غيره إمعاناً في التحفُّظ على مشاعر الزوجة وأحاسيسها.

قد تقول: إن الزوج قد ينشز ويتمرَّد على حقوق زوجته فلماذا لم يشرِّع الإسلام ضرب الزوجة له.

قلتُ: إنَّ الزوج عندما يتجاوز حقَّ زوجته في المعاشرة بالمعروف ويُسيء إليها ويظلُمها فإنَّ لها الحقَّ في أنْ ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي إذا لم تُجدِ معه الموعظة، وحينئذٍ يتولَّى الحاكم الشرعي تأديبه بما يراه مناسباً، فقد يؤدبه بالحبس وقد يُؤدبه بالجلد ثم يُرغمه على الالتزام بحقوق زوجته، وأما لماذا لم تُعط الزوجة مهمة التأديب لزوجها فلأنها غالباً لا تقوى على ذلك.

*الشيخ محمد صنقور - أستاذ في الحوزة العلمية

الهوامش:

1- سورة النساء / 34.

2- سورة النساء / 20.