ما الدليل على وجوب ’ تقليد الأعلم’ من الفقهاء؟

عمدة ما استند إليه العلماء في لزوم تقليد الأعلم هو السيرة العقلائية القاضية بتعيُّن الرجوع إلى الأعلم عند العلم بالاختلاف بين الأعلم وغيره.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ففي كل مورد يقع فيه الخلاف بين علماء فن من الفنون أو حرفة من الحِرف فإن العقلاء يحكمون بلزوم الأخذ بقول الأعلم دون غيره ولذلك تجدهم يلومون من يعتمد قول غير الأعلم حينما يكون للأعلم قول مخالف لما تبنّاه غير الأعلم.

فلو اختلف طبيبان في تشخيص مرض أو اختلفا في توصيف علاج وكان أحدهما أعلم من الآخر بمراتب فإن العقلاء يعتمدون قول الأعلم منهما ويسفِّهون من يأخذ بقول غير الأعلم منهما ويلومونه ويعتبرون فعله منافياً لمقتضى التعقُّل.

وهذه السيرة لم يردع عنها الشارع رغم أن انسحابها إلى الشؤون الشرعية محتمل جداً مما يستوجب على الشارع الردع عنها لو كان مقتضاها منافياً لمتبنياته وأغراضه فعدم الردع يعبِّر عن القبول بمؤدى السيرة وهذا هو معنى الإمضاء للسيرة القاضي بحجيتها.

ويمكن أن يصاغ الدليل ببيان آخر وهو انه لم تثبت سيرة عقلائية على اعتماد قول غير الأعلم وحينئذ يقع الشك في حجية قول غير الأعلم بعد افتراض عدم وجود دليل آخر على مشروعية اعتماد قول غير العلم والشك في الحجية يساوق القطع بعدم الحجية.

ولمزيد من التوضيح 

نقول أنه لا إشكال أن الشريعة وضعت للعامي طريقاً للوصول إلى الحكم الشرعي ومن المحرز الاحتياط ليس هو الطريق لذلك، لعدم كونه ميسوراً، ولا هو الظن لانه لا ظن للعامي بالحكم الشرعي ولو كان له ظن فإنه لا حجية له قطعاً فيتعَّين كون الطريق هو الرجوع إلى العالم والقدر المتيقن ممن يجوز الرجوع إليه من العلماء هو الأعلم، وغير الأعلم لا دليل على حجية قوله، وكون الطريق المتعين للوصول إلى الحكم الشرعي هو الرجوع إلى العالم لايساوق تصحيح الرجوع لمطلق العالم بعد أن كان هذا الدليل لبياً وبعد أن كان له قدر متيقن فيكون ذلك معناه الشك في طريقية قول غير الأعلم وذلك هو معنى الشك في حجية قول غير الأعلم .

وبذلك يتنقح موضوع القاعدة وهي أن الشك في الحجية يساوق القطع بعدم الحجية.

هذا بالإضافة إلى الروايات التي تصلح للتأييد نظراً لضعفها سنداً مثل ماروي عن الإمام الجواد (ع) انه قال مخاطباً عمه:" ياعم أنه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك: لم تفتِ عبادي بما لم تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك".

إن الاطلاقات لو تمّت فهي لاتدل على أكثر من جواز الرجوع إلى الفقيه في الجملة أي أن القدر الذي يمكن استفادته من الاطلاقات هو حجية فتوى مطلق الفقيه في فرض عدم الاختلاف، وهذا المقدار لا إشكال حتى بنظر من يشترط الأعلمية في مرجع التقليد.

فالبحث انما هو في فرض الاختلاف بين الفقهاء في الفتوى، فلو كانت الاطلاقات دالة على حجية فتوى مطلق الفقهاء في ظرف الاختلاف لكان معنى ذلك هو القول بحجية الفتاوى المتعارضة.

ولذلك ثلاثة احتمالات 

الاحتمال الأول: هو منجزية جميع الفتاوى المتعارضة وهو غير ممكن، إذ لو كان الفقيه الأول يفتي بالحرمة والآخر يفتي بالوجوب وقلنا بمنجزية كلا الفتويين لكان معنى ذلك الجمع بين الضدين كما انه لا يمكن امتثالهما معاً.

الاحتمال الثاني: هو حجية احدى الفتويين أو الفتاوى بعينها دون غيرها وذلك من الترجيح بلا مرجح.

الاحتمال الثالث: الحجية بنحو التخيير، وذلك وإن كان ممكناً إلا أنه فاقد للدليل إذا أن مفاد الاطلاقات هو الحجية التعيينيَّة لاحجية هذه الفتوى أو تلك بمعنى أن الاطلاقات مفادها انحلال الحجية إلى حجيات متعددة بعدد الفقهاء.

وبذلك يتعين مفاد الاطلاقات وهو حجية قول مطلق الفقهاء عند افتراض عدم الاختلاف وذلك خارج عن محل النزاع، إذ أن محل النزاع هو حالة الاختلاف في الفتوى.

*الشيخ محمد الصنقور – أستاذ في الحوزة العلمية