من يحدد المرجع الأعلم؟!

التقليد وضعُ عمل المكلَّف كالقلادة في رقبة المرجع الجامع للشرائط، من الأعلميَّة، والعدالة بالمرتبة العاليَّة، فهذا عليه الفتوى وعلى المكلَّف العمل.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

والمُكلَّف هو البالغ العاقل، فخرج بشرط البلوغ الصبيُّ، فإنَّه لا تكليف عليه ولا مشقَّة.

وخرج بقيد العقل المجنون فإنه غير مخاطبٍ بحلالٍ ولا حرام.

وليس على المكلَّف أن يقلِّد الأعلم إلَّا في موردين:

الأول: المسائل التي يُبتلى بها عادةً، كشكوك الصلاة ونواقض الوضوء، وأحكام النكاح تحرّزاً من الزنا،ومسائل البيع تجنّباً عن الرّبا، وغير ذلك من أمثال هذا، فالرجل لا يُقلّد المرجع في أحكام الحيض والنّفاس، والفقير لا يقلّده في أحكام البنوك والمصارف،إلَّا أن ينقلب الرجلُ أنثى فيبتلى بما تبتلي به من النّفاس والحيض،أو يصير الفقير غنياً وتكون له أرصدَة في المصارف وأسهمٌ في البنوك.

وعليه:إذا فُرِض أنَّ في رسالة المرجع العمليَّة ألفاً وخمسين مسألة ،والمكلف مبتلى بخمسين منها، فعليه أن يقلّده في الخمسين دون الألف الباقية.

الثاني: في المسائل التي تختلف فيها فتوى الأعلم عن فتوى العالِم،فإذا اتفقت الفتاوى فله أن يقلّد غير الأعلم.

فإذا فرضنا أن غير الأعلم اتفقت فتاواه مع الأعلم في أربعين مسألةً مما يُقلّد فيها المكلّف الأعلم، فله أن يقلّد الأعلمَ في العشرة فقط مما اختلف فيها مع غيره،أو في الخمسين كلّها.

وتقليد الفقيه يكون بشهادة أهل الخبرة، وليس أهل الخبرة طلبة المقدّمات والسطوح، ولا طلبة البحث الخارج، بل هم المجتهدون أو من راهق الاجتهاد، والشياع الذي يفيد الاطمئنان ما يكون في دائرة هؤلاء دون غيرهم.

وتثبت الأعلمية أيضاً بالاختبار لمن يكون قادراً عليه، ويكون الاختبار في المسائل الفقهيَّة وما يرتبط بها.

ولا يثبت تقليد الفقيه بكونه فقيهاً حركيَّاً، ولا لأنَّه يعرف أسعار السلع في السوق يوماً بيوم، ولا لأنه يدري سعر صرف الدولار في البورصة ساعةً بساعة، بل المعيار أن يكون الأعرف بتطبيق الكبريات الفقهيَّة على صغرياتها، هذا هو معيار العلماء وباقي الموازين من قسطاس العوام ولا عبرة به ولابقولهم.

ولا يجوز تقليد الميت ابتداءً عند مشهور الفقهاء، فقول الميت ميت، وروح الحُجيَّة مسلوبةٌ عن بدن فتاواه إلَّا أن ينفخ الفقيه الأعلمُ الحيُّ الحياة فيها بأن يجوَّز أو يوجب البقاء على تقليده إن كان أعلم من الفقهاء الأحياء.

والقدر المتيقن في هذا العصر بحسب قول بعض الفقهاء هو السيد الخوئيّ - قُدٍّس سره -

فلا يجوز التقليد بالوراثة،إلَّا أن تكون هرقليَّةً أوكسرويَّة.

ولو قُدِّر أن قلّد أحدٌ فقيهاً ميتاً،أو مكتب فقيهٍ متوفى - وفرضنا أن الذي مات قد كان حائزاً لشرائط الفتوى -فعلى الأقل ليأخذ فتاواه من أعلم تلامذته وأفقههم، لا من أبنائه وأبناء أبنائه،وأحفاده وأحفاد أحفاده حتى ولو وسمهم الجهل بعلامته، وأعلم عليهم بوسمه، وختم على جباههم بطغرائه.

وفي كلمة الختام أقول: العوام بحاجةٍ إلى الفقيه لتصحيح أعمالهم العباديَّة وتفريغ ذممهم المشتغلة يقيناً بالتكليف الشرعيّ احتياج الزرع للماء، والظامي للرواء، وليس الفقيه بحاجة إلى العوام،فالبدر لا يحتاج لليل، ولا الشّمسُ للنّهار، فالعاميُّ الجاهل بالحكم الفقهيّ لو أعرض عن الفقيه الجامع للشرائط فقد أوقع نفسه في التهلكة من حيث لا يشعر.

ومن قلَّد غير فقيهٍ فقد عبد صنماً، وقد قال تعالى في حقِّ الأصنام وعابديها قولاً عظيما: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ).