جولة كونية في حدث تأريخي: ما الهدف من الإسراء والمعراج؟

لقد أسرى النبيّ محمّد صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله بروحه وجسده من مكّة المكرّمة إلى بيت المقدس، كما في سورة الإسراء، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة .

ثمّ عرج صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله بروحه وجسده من بيت المقدس إلى السماء، كما جاء في سورة الإسراء، ووردت بذلك الأخبار الكثيرة، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة.

في هذا المقال القصير سنتعرف على أهم تفاصيل هذا الحدث التأريخي المهم.

ما هي أهداف الإسراء والمعراج؟

أوّلاً: إنّ حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها، وإدراك أسرارها، ولعلّ إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في هذا القرن العشرين، بعد أن تعرّف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه، وما يعترض سبيل النفوذ إلى السماوات من عقبات ومصاعب .

ثانياً: إنّ هذه القضية قد حصلت بعد البعثة بقليل، وقد بيّن الله سبحانه الهدف من هذه الجولة الكونية، فقال: ( لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا )[1] .

وإذا كان الرسول الأكرم صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله هو الأسوة والقدوة للإنسانية جمعاء، وإذا كانت مهمّته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره، فإنّ من الطبيعي أن يعدّه الله سبحانه إعداداً جيّداً لذلك، وليكن المقصود من قصّة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله بعض آثار عظمة الله تعالى في عمليةٍ تربوية رائعة، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه، وليعدّه لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تنتظره، وتحمّل المشاق والمصاعب والأذى التي لم يواجهها أحد قبله ولا بعده .

ثالثاً: لقد كان الإنسان ولاسيّما العربي آنذاك يعيش في نطاق ضيّق، وذهنية محدودة، ولا يستطيع أن يتصوّر أكثر من الأُمور الحسّية، أو القريبة من الحسّ، التي كانت تحيط به، أو يلمس آثارها عن قرب .

فكان ـ والحالة هذه ـ لابدّ من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الرحب، الذي استخلفه الله فيه، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه، ويبعث الطموح فيه للتعرّف عليه، واستكشاف أسراره، وبعد ذلك إحياء الأمل وبثّ روح جديدة فيه، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجوّ الضيّق الذي يرى نفسه فيه، ومن ذلك الواقع المزري الذي يعاني منه، وهذا بالطبع ينسحب على كلّ أُمّة، وكلّ جيل وإلى الأبد .

رابعاً: والأهمّ من ذلك: أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، من أجل أن يثق بنفسه ودينه، ويطمئن إلى أنّه بإيمانه بالله إنّما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق، لا يختار له إلّا الأصلح، ولا يريد له إلّا الخير، قادر على كلّ شيء، ومحيط بكلّ الموجودات .

خامساً: إنّه يريد أن يتحدّى الأجيال الآتية، ويخبر عمّا سيؤول إليه البحث العلمي من التغلّب على المصاعب الكونية، وغزو الفضاء، فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالدٍ، هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً، وليطمئن المؤمنون، وليربط الله على قلوبهم، ويزيدهم إيماناً.[2]

الهوامش:

[1] الإسراء: 1.

[2] الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 3 / 34 .