قاتل صناديد العرب: كيف حارب أمير المؤمنين (ع) الجن؟!

إن قضية محاربة أمير المؤمنين (ع) الجن قد بينها شيخنا المفيد (أعلى الله تعالى مقامه) في كتابه الإرشاد، فذهب إلى صحة الحادثة، وذكر أن العامة والخاصة قد رووا هذه الحادثة ولم ينكروها، وأشار إلى أن الذي كان ينكر الحادثة هم المعتزلة بسبب ميلهم إلى مذهب البراهمة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وإليك نص ذلك طبقاً لما ورد في كتاب الإرشاد، (ج ١/ ص ٣٥٩)، إذ قال المفيد: ومن ذلك (ما تظاهر به الخبر من بعث رسول الله صلى الله عليه وآله له إلى وادي الجن، وقد أخبره جبرئيل عليه السلام بأن طوائف منهم قد اجتمعوا لكيده، فأغنى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكفى الله المؤمنين به كيدهم، ودفعهم عن المسلمين بقوته التي بان بها من جماعتهم.

 فروى محمد بن أبي السري التميمي، عن أحمد بن الفرج، عن الحسن بن موسى النهدي، عن أبيه، عن وبرة بن الحارث، عن إبن عباس رحمة الله عليه قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى بني المصطلق جنب عن الطريق، وأدركه الليل فنزل بقرب وادٍ وعر، فلما كان في آخر الليل هبط عليه جبرئيل عليه السلام يخبره أن طائفةً من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشر بأصحابه عند سلوكهم إياه، فدعا أمير المؤمنين علياً بن أبي طالب عليه السلام وقال له: "اذهب إلى هذا الوادي، فسيعرض لك من أعداء الله الجن من يريدك، فادفعه بالقوة التي أعطاك الله عز وجل، وتحصن منه بأسماء الله التي خصك بعلمها" وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس، وقال لهم: "كونوا معه وامتثلوا أمره" .

فتوجه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الوادي، فلما قارب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير، ولا يحدثوا شيئاً حتى يأذن لهم.

 ثم تقدم فوقف على شفير الوادي، وتعوذ بالله من أعدائه، وسمى الله عز وجل وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه فقربوا، فكان بينهم وبينه فرجة مسافتها غلوة، ثم رام الهبوط إلى الوادي فاعترضته ريح عاصف كاد أن يقع القوم على وجوههم لشدتها، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول ما لحقهم. فصاح أمير المؤمنين: " أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، وصي رسول الله وابن عمه، اثبتوا إن شئتم" فظهر للقوم أشخاص على صورة الزط تخيل في أيديهم شعل النار، قد اطمأنوا بجنبات الوادي، فتوغل أمير المؤمنين عليه السلام بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً.

فما لبثت الأشخاص حتى صارت كالدخان الأسود، وكبر أمير المؤمنين عليه السلام ثم صعد من حيث انهبط، فقام مع القوم الذين اتبعوه حتى أسفر الموضع عما اعتراه. فقال له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: ما لقيت يا أبا الحسن؟ فلقد كدنا أن نهلك خوفاً وإشفاقنا عليك أكثر مما لحقنا. فقال لهم عليه السلام: "إنه لما تراءى لي العدو جهرت فيهم بأسماء الله عز وجل فتضاءلوا، وعلمت ما حل بهم من الجزع فتوغلت الوادي غير خائف منهم، ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم، وقد كفى الله كيدهم وكفى المسلمين شرهم، وسيسبقني بقيتهم إلى النبي عليه وآله السلام فيؤمنون به".

وانصرف أمير المؤمنين بمن تبعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأخبره الخبر، فسري عنه ودعا له بخير، وقال له: "قد سبقك -يا علي- إلي من أخافه الله، فأسلم وقبلت إسلامه" ثم ارتحل بجماعة المسلمين حتى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين.

قال المفيد (قدس): وهذا الحديث قد روته العامة كما روته الخاصة، ولم يتناكروا شيئاً منه. والمعتزلة لميلها إلى مذهب البراهمة تدفعه، ولبعدها عن معرفة الأخبار تنكره، وهي سالكة في ذلك طريق الزنادقة فيما طعنت به في القرآن، وما تضمنه من أخبار الجن وإيمانهم بالله ورسوله عليه وآله السلام، وما قص الله تعالى من نبأهم في القرآن في سورة الجن وقولهم: (إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنا به " إلى آخر ما تضمنه الخبر عنهم في هذه السورة. وإذا بطل اعتراض الزنادقة في ذلك بتجويز العقول وجود الجن، وإمكان تكليفهم وثبوت ذلك مع إعجاز القرآن والأعجوبة الباهرة فيه، كان مثل ذلك ظهور بطلان طعون المعتزلة في الخبر الذي رويناه، لعدم استحالة مضمونه في العقول. وفي مجيئه من طريقين مختلفين وبرواية فريقين في دلالته متباينين برهان صحته، وليس في إنكار من عدل عن الإنصاف في النظر -من المعتزلة والمجبرة- قدح فيما ذكرناه من وجوب العمل عليه. 

هذا وقد روى هذه الحادثة أيضاً قطب الدين الراوندي، في كتابه (الخرائج والجرائح) (ج1/ص ٢٠٧). والحر العاملي في كتابه (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات) (ج3/ص511).

ويؤيد شهرة هذه الحادثة أنها ذكرت ضمن الأمور التي حصلت في يوم النيروز المعروف، إذ روى السيد نعمة الله الجزائري في كتابه (الأنوار النعمانية) (ج2/ص74)، خبراً عن المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام قال إن يوم النيروز وهو اليوم الذي أخذ فيه النبي صلى الله عليه وآله العهد فيه بغدير خم فأقروا فيه بالولاية، فطوبى لمن ثبت عليها والويل لمن نكثها، وهو اليوم الذي وجه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام إلى وادي الجن فأخذ عليهم العهود والمواثيق، وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ويظفر بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة ... إلى آخر الخبر.