كيف سيطر ’معاوية’ على بلاد الإسلام؟!

من الطريف ما حصل لنا قريباً، حيث زارنا قبل أقل من عامين شخصيتان لها موقعها المتميز في المؤسسة الدينية المسيحية، فذكر أحدهما أن التكنولوجيا الحديثة قد أنست الناس الله عز وجل، وقد سأل عن كيفية الخروج من هذه المشكلة، وعن علاجها.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وقد أدركت عمق السؤال وأهميته، بل فوجئت به، حيث لم يسبق عرضه علي مع كثرة من التقيت به من أمثالها، وتهيأت للإسهاب في الجواب، لعدم ألفتها لمفاهيمنا. وبدأت، فذكرت أن من أهم أسباب تأثير الداعية في الأتباع شعورهم بواقعيته في دعواه، وإخلاصه للحقيقة التي يدعو لها، من دون مكسب له وراء ذلك. واستشهدت على ذلك بما روي من أنه لما بدأ رؤساء القبائل يتفرقون عن أمير المؤمنين، ويتسللون إلى معاوية طلباً لدنياه، وظهرت بوادر ضعف معسكر أمير المؤمنين، مشى إليه بعض خواص أصحابه ممن يهمه أمره ويؤمنون بدعوته، وطلبوا منه أن يفضل الرؤساء في العطاء مؤقتاً، حتى إذا استوسقت له الأمور عاد إلى ما عوده الله عليه من القسم بالسوية والعدل في الرعية. فامتنع ﷺ من ذلك بل استنكره، وقال: «أتأمروني ويحكم أن أطلب النصر بالظلم والجور فيمن وليث عليه من أهل الإسلام ؟! لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير ...» ( 1 ). وقلت تعقيباً على ذلك: وأخيراً انهار معسكر أمير المؤمنين، ثم قتل، کما كان يتوقع " )، وغلب معاوية وبسط سلطانه على بلاد الإسلام. لكن هؤلاء الخواص من أصحاب أمير المؤمنين الله أدركوا أنه صاحب مبدأ، لا يتنازل عنه مهما كلفه ذلك من ثمن، ولو أدى ذلك لانهيار معسكره ومشروعه السياسي، وحتى لو انتهى الأمر إلى قتله، وذلك شاهد على أن دعوته حق، فتمسكوا بدعوته، وجاهدوا في سبيل إبقائها وإسماع صوتها للأجيال، حتى وصلت إلينا.

وما ذكرت ذلك لها حتى استفزهما حديثي، وقالا: لا ينبغي أن نجلس معكم نصف ساعة، بل ينبغي أن نبقى عشرة أيام لتسمع مثل هذا الكلام. وأطالا في التعقيب على ذلك والإعجاب به حتى انتهى المجلس، من دون أن يسمح الوقت في ذكر الشواهد الأخر على ذلك. وما ذلك إلا لغياب هذه المفاهيم عن ذاكرة العالم، وتوجهاته المادية الصرفة.

*مقتطف من كتاب خاتم النبيين للمرجع الكبير الراحل محمد سعيد الحكيم