متى ظهرت «المرجعية الدينية» ومن نصبّها؟!

مصطلح المرجعية الدينية أخذ شكله الواضح في عصر الغيبة، بعد أن انقطع الاتصال بالإمام (عج)، فكان هناك - في بادئ الأمر - اتّصالٌ مع السفراء الأربعة فقط، ثم بعد ذلك انقطع الاتصال مع الإمام (عج)، وتصدى الفقهاء بشكل رسمي لقيادة الأمة. 

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ولكن هذا لا يعني عدم وجود جذور واقعيّة لهذا النوع من القيادة قبل عصر الغيبة، بل كان هناك نوع من المرجعية عند بعض الفقهاء في عصر الأئمة عليهم السلام، وخصوصاً في المناطق البعيدة عنهم، إذْ كان الشيعة في عصور الأئمة (ع) يرجعون الى فقهاء بلادهم، بإرشاد من الأئمة عليه السلام، وربما أمر الإمام (ع) الفقيه من أصحابه أن يفتي الناس.

فقد نقل النجاشيّ في ترجمة (أبان بن تغلب)، والحر العاملي في وسائل الشيعة (ج30/ص291) عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال لأبان بن تغلب: (أجلس في مسجد المدينة وَأفْتِ الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك).

و قال الإمام الصادق عليه السلام لأحد شيعته: ائتِ أبان بن تغلب، فإنه قد سمع مني حديثاً كثيراً، فما رواه لك فاروه عني».[ وسائل الشيعة (ج 27/ص 147)].

وقال الإمام الرضا عليه السلام: «خذ معالم دينك من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا. قال علي بن المسيب: فلما انصرفت قدمنا على زكريا بن آدم، فسألته عما احتجت إليه». [ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 146].

وعن المفضل بن عمر، أن أبا عبد الله عليه السلام قال للفيض بن المختار في حديث : فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس، وأومأ إلى رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين.[ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 143].

وممّا تقدّم يتبيّن أنّه في عهد وجود الأئمة (ع) كانت هناك مرجعيات دينية للشيعة، ولكن في المناطق البعيدة عن وجود الإمام، وهذا ما أشارت له المصادر التاريخية، فقد كان من تلاميذهم فقهاءُ كبار مراجع لأهل مناطقهم. وفي زمن الغيبة الصغرى للإمام عليه السلام أجمع الشيعة على وثاقة النواب الأربعة وجلالتهم قدس الله أرواحهم، وأنهم كانوا حلقة الوصل بين الشيعة وإمامهم (عج)، وبعد الغيبة الصغرى تصدى العلماء والمراجع لإدارة أمور الناس الشرعية، والدنيوية، وكان للشيعة في عصر الغيبة الصغرى علماء كبار أيضاً، وخصوصاً في الكوفة، وبغداد وقم، وكان النواب أحياناً يرجعون الناس اليهم.

وقد أخبر الإمام المهدي عليه السلام شيعته بغيبته الكبرى وأرجعهم الى الفقهاء العدول الجامعي الشروط كما في حديثه المشهور: «أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك، إلى أن قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله عليهم» .[ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 140]. 

ومن هنا يعلم كلّ منصفٍ أنّ مسألة تنصيب المراجع كانت من المسائل المهمّة التي تجري وفق تخطيط سليم ومنظّم، وبرعاية إمام الزمان (عج)، والأئمة السابقين من آبائه عليهم السلام، فلذا كانت هذه المرجعيّات - ولا تزال - صُلبةً على مرّ التاريخ، متّزنةً في قراراتها، وتواكب الأحداث وتضع الحلول لكثير من الأمور، ولا ينكر ذلك إلا مطموس البصيرة معصوب العينين.