الربا.. ’ثروة’ من الفقراء إلى الأغنياء!

​من المؤسف جدا أن (مهنة المرابي) وهي الآفة العالمية التي تقدم القرض بسهولة عند الشدائد إلى الفقراء والمتوسطين تعتبره الحكومة غير الإسلامية، خارجا من دائرة واجباتها. ولكنا نقول إن من الواجب أن يكون من أول أعمال الحكومات العناية بهذه الآفة العالمية والنظر فيها، ولا تترك العمل للمرابين في سلب أموال الفقراء والمعوزين. ولكننا نرى من المؤسف أن الدول تكون كعامل نشط في جلب أموال الفقراء إلى هذا المرابي الصغير أو المرابي الكبير (البنك).

ومضار الربا من الناحية الاقتصادية تجسد في القروض الاستهلاكية والقروض الإنتاجية والقروض الحكومية من الداخل:

أ - القروض الاستهلاكية: وهي قروض يطلبها الفقراء المتوسطون نتيجة لوقوعهم في مصيبة أو شدة لقضاء حاجاتهم الضرورية. ومن المعلوم فداحة السعر الربوي في هذا النوع من القروض، لأن المتصدي لهذا النوع هو المرابي الذي لا رقيب عليه في تقرير الفائدة، فالذي يقع في شرك هذا المرابي مرة لا يتخلص منه طول حياته، بل يكون العبء على أبنائه وأحفاده في سداد دينه.

ويكون هذا واضحا إذا نظرنا إلى الربا المسموح به في إنكلترا للمرابي وهو 48 في المائة سنويا على الأقل، والسعر العام الذي تجري عليه المعاملات الاقتصادية فهو يتراوح بين 250 في المائة و 400 في المائة سنويا وقد تمت فيها بعض المعاملات الربوية بسعر 1200 في المائة أو 1300 في المائة سنويا.

والربا المسموح به رسميا للمرابي في أميركا هو بين 30 في المائة و 60 في المائة سنويا والمعاملات العامة الربوية تجري بسعر 100 في المائة و 260 في المائة سنويا ويرتفع أحيانا إلى 480 في المائة (1).

وهذه العملية هي التي تمكن الرأسمالي من دخل العمال وتجعله مستبدا به دونهم. ونتيجة لذلك تفسد أخلاقهم، ويقترفون الجرائم والدنايا، وهو يحط من مستوي المعيشة، ويقلل من كفاءاتهم ونشاطهم الذهني والبدني، وهذا ليس ظلما فحسب بل إنه ضرر على الاقتصاد الاجتماعي.

على أن المرابي يسلب قوة الشراء من الفقير، وإذا فترت قوة الشراء تكدست البضائع في الأسواق ونتيجة لهذا التكدس تتوقف بعض المعامل من الإنتاج أو تقلله على الأقل، وبهذه العملية تنشأ البطالة لمئات من البشر، وهذه البطالة تعرقل نمو التجارة والصناعة. بالإضافة إلى أن التأكيدات من قبل الاقتصاديين إلى الادخار وعدم الاستهلاك لتقديم قروض بفائدة ليجلب الربا إلى خزانته تؤدي إلى ظهور البطالة بالتقريب المتقدم.

ب - القروض الإنتاجية: وهذه القروض يأخذها التجار وأصحاب الصناعة والحرف لاستغلالها في الإنتاج المثمر.

إن هذه العملية التي يأخذ المرابي الربا من دون أن يتعرض لشيء إذا خسر المعمل أو التاجر تؤدي إلى تحرك الميزان الاقتصادي من جانب واحد دائما وهو جانب المرابي فهو رابح دائما، أما صاحب المعمل أو التاجر فليس كذلك وهذه العملية غير فطرية لتأديتها ضرر جميع العمال وصاحب العمل إلا المرابي فإنه لا يتضرر بذلك حيث إن ربحه مضمون.

بالإضافة إلى أن معظم رأس المال مدخر عند الرأسماليين، لأنهم يرجون ارتفاع سعر الربا، فلا يعطي ماله للتجارة أو الصناعة لانتظاره ارتفاع سعر الربا. على أن السعر المرتفع يجعل المرابي ممسكا لماله إلَّا وفق مصلحته الشخصية لا وفق حاجة الناس أو البلاد، وقد يكون السعر المرتفع مانعا أهم الأعمال النافعة المفيدة للمصلحة العامة ما دام ربحها لا يسدد سعر الربا، في حين أن المال يتدفق نحو الأعمال البعيدة عن المصلحة العامة لأنها تعود بربح كثير.

وقد يستعمل التجار الذين هم مطالبون بالربا الطرق المشروعة وغير المشروعة المؤدية إلى اضطراب المجتمع الإنساني والحط من الأخلاق الإنسانية وما يترتب عليها من جرائم في سبيل كسب سعر الربا.

ج - القروض الحكومية من الداخل: وهي القروض التي تأخذها الحكومة من أهالي البلاد، فهناك القروض المأخوذة لأغراض غير مثمرة كالحرب لأجل الأغراض الشخصية العدوانية الجاهلية، وهناك القروض المأخوذة لأغراض إنسانية اجتماعية كالتجارة مثلا، وهذان النوعان يشابهان القروض الاستهلاكية والقروض الإنتاجية.

والملاحظ هنا أن الحكومة تلقي ضغطا على عامة أهل البلاد لأجل أن تجلب من معاش الأفراد بجعل الضرائب والمكوس حتى تستطيع أن تؤدي إلى الرأسماليين (أصحاب القروض) الربا. والتجار أيضا لا يؤدون هذه الضرائب والمكوس من عندهم وإنما يرفعون قيمة الحاصل أو السلع فيؤخذ الربا على وجه غير مباشر من كل من يشتري من السوق وهو الفقير والمتوسط الحال. إذن الذي يتضرر تضررا كاملا هو الفقير فحسب، لأن صاحب الغلة وأصحاب المصانع والتجار يرفعون من سعر نتاجهم.

فالخلاصة: أن الربا ثروة من الفقراء إلى الأغنياء والحكومة هي الموظفة المخلصة للمرابي مع أن مصلحة الأمة على العكس. على أن قروض الدولة من الخارج فيها مفاسد أشد وأكثر خطرا على الإنسانية من غيرها، لأنه يغرس بذور العداوة بين أمم الأرض، والدولة التي فرضت عليها الربا تزيد من مصائب بلادها بفرضها الضرائب الفادحة على رؤس السكان والإقلال من النفقات (2).

وقد توصل (مستر هارولدج. ماولتون) مع زميله (مستر ليريا ستولكي) إلى النتائج التالية (3):

1 - « إن الإعفاء الكامل من دين تعويضات الحرب كله سوف يعمل على ازدهار الاقتصاد العالمي بدلا من أن يعوقه ».

2 - « إن تحصيل الديون التي على الحكومات سوف يكون من الوجهة الاقتصادية ضارا بالدول الدائنة أكثر مما يفيدها ».

وهذه الديون بعد الحرب العالمية الأولى تسمى (مدفوعات دين الحرب) كانت على (28) دولة أن تفي بها سنة 1931 أي بعد 13 سنة من إنهاء الحرب تبلغ (000 / 547 / 741 / 57) دولارا. وقد أحدثت ديون الحرب هذه آثارا مثبطة في اقتصاد العالم كله، وأطالت الكساد الاقتصادي العالمي ذلك الكساد يعتقد أنه أحد وأطول كساد فيما أعرف من تاريخ العالم » (4).

هذا وقد ذكر السنهوري وغيره مضارا أخرى في ربا المعاوضة وهي:

1 - احتكار أقوات الناس في المكيل والموزون.

2 - التلاعب في العملة لتقلب أسعارها لأنها هي سلعة من السلع إذا جوزنا الربا.

3 - وجود الغبن والاستغلال عند التعامل بالربا في الجنس الواحد، فإن التفاضل في الكم لا يواجه التفاضل في الكيف بدقة لو فرضنا وجود التفاضل في الكيف (5). فيمكن أن يمنع الربا اقتصاديا لهذه المضار، فلا يحصل الاحتكار لأقوات الناس ويمنع التلاعب في العملة ويمنع الغبن والاستغلال عند التعامل في الجنس الواحد.

الهوامش:

1 الربا أبو الأعلى المودودي ص 46.

2 الربا للمودودي ص 57 وما بعدها.

3 الإسلام والربا / قرشي ص 220 - 221.

4 الإسلام والربا / قرشي ص 220 - 221.

5 مصادر الحق 3 / 236.