لكل مجتهد نصيب: لماذا تقدّم الغرب وتعثّر العرب؟!

يسأل البعض، ما لنا نرى دول الغرب تشهد تقدماً علميا وثقافيا وسياسيا وفي كل المجالات. في التكنولوجيا والعلم.. بل وربما حتى في الإنسانية.

فهل رجعوا إلى الله؟! أم أنهم رجعوا إلى أنفسهم؟!

 وهل تتعارض هذه الفكرة مع الآية الكريمة التي تقول: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"؟

لقد بدأت النهضة الأوربية في وقت مبكر جداً وقد تعود إلى بدايات القرن الثاني عشر تقريباً، وتسارعت النهضة بشكل كبير في الفترة الممتدة ما بين القرن الرابع عشر والقرن السابع عشر، وقد ساهمت عوامل متعددة وعلى مدى فترات ممتدة من الزمن على أيجاد ما يسمى بالحضارة الغربية، وعليه لا يمكن حصر هذه العوامل في جانب واحد وهو الإيمان وعدمه، وإنما يجب النظر إلى المشهد بشكله المتكامل، فالتطور العلمي، والانتعاش التجاري والصناعي، والتحول الكبير على مستوى الإنسان الأوربي، والتبدلات التي حدثت على مستوى الثقافية المجتمعية، تعد جميعها من العوامل المهمة في خلق النهضة الأوربية، وبالتالي فإن اختزال التحولات الكبرى التي حدثت في أوربا في العلمانية وابعاد الدين عن الساحة السياسية فيه حالة من السطحية والتبسيط، ويبدو أن التحولات المهمة ذات التأثير المباشر في أي نهضة حضارية تعود بشكل أساس إلى التحولات التي تحدث على مستوى الإنسان، فتحريك العجلة السياسية والاقتصادية وتحقيق التنمية في كل المجالات لا يتحقق إلا من خلال الإنسان المقتدر حضارياً، وفي ظني أن مشكلة عالمنا الإسلامي والعربي ليست في غياب الخطط والبرامج ولا في شح الإمكانات المادية وإنما في الإنسان المتخلف حضارياً، فمجرد تحول الأنظمة السياسية إلى أنظمة علمانية لا يعد حلاً حقيقياً لمشكلاتنا الحضارية، ومن هنا يجب أن تتضافر الجهود في بذل الجهد من أجل الارتقاء بالإنسان علمياً وفكرياً وثقافياً وتربوياً وقبل كل ذلك لابد من إعادة الثقة للإنسان المسلم في نفسه وفي دينه، وما تنادي به العلمانية هي مجرد معالجات سطحية لا تلامس مشكلة الإنسان الشرقي؛ بل قد تكون سبباً في توهينه وإشعاره بالدونية أمام الإنسان الغربي، فالإسلام كهوية ثقافية وقيمية يمثل ضرورة لأي تحول حضاري في المنطقة، والثغرات الملحوظة في الحضارة الغربية تعد نتاجاً طبيعياً للاستبعاد الممنهج للسلطة الروحية والأخلاقية، فبدل أن يعمل المثقف العربي والإسلامي على ضعضعة الثقة بالإسلام  من خلال تضخيم المنجز الغربي يجب أن يكرس جهده في انتاج حضارة محلية أساسها القيم الإسلامية.

وفي المحصلة أن الحياة قائمة على الأسباب والمسببات ومسؤولية الإنسان هو العمل بما يقتضي اعمار الدنيا، ولا يمكن أن يستغني الإنسان بالإيمان عن العمل وبذل الجهد، وكما يقال لكل مجتهد نصيب، وقد أحدث الانسان الغربي تحولاً مادياً ملحوظاً وذلك لكونه اخذ بالأسباب الموجبة للنهضة، وهذا ما تؤكده الآية التي جاءت في معرض السؤال قال تعالى: (أنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فقد دلت الآية على أن التغيير امر مرهون بإرادة الإنسان ولا ينوب الله عنه في مواجه صعوبات الحياة، بالتالي الآية لا تشير لوجود تناقض بين الرجوع إلى الله وتغيير الإنسان لنفسه، بل الحركة المتزنة للحياة الإنسانية لا تكون إلا بإيجاد توازن بين الغيب والشهود وبين الحياة الدنيا والاخرة، حيث يعمل لدنياه كأنه يعيش ابداً يعمل لآخرته كانه يموت غداً.