هل للمسلمين مناهج علمية؟

يُعاب علينا بأننا لا نمتلك منهجاً علمياً له جذور سليمة فلماذا؟

إن المناهج العلمية ليس لها دين أو مذهب وإنما هي جهد عقلي تسالم عليه جميع العقلاء، وبالتالي الباب مفتوح أمام الجميع في الاستفادة من هذه المناهج.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وقد ساهم المسلمين في طول تاريخهم في صناعة هذه المناهج  بل كانوا متقدمين على غيرهم في هذا الباب، فالإبداع الذي قدموه في كثير من المجالات العلمية كان متميزاً، فالمنطق التجريبي، ومناهج التاريخ، وعلم الأصول، تعدُّ من المناهج التي ولدت مع المسلمين، هذا مضافاً إلى أنهم ساهموا في إعادة إنتاج كثير من المناهج الفلسفية، فالفارابي وابن سينا وابن رشد وصدر الدين الشيرازي لهم اسهاماتهم المميزة في بلورة المناهج الفلسفية، كما أن حضارة المسلمين في الأندلس ساهمت في نقل المناهج العلمية إلى الحضارة الغربية، فمثلاً ديكارت الذي يعد من المؤسسين لمناهج البحث وله يعود الفضل في بداية عصر الأنوار، وبخاصة كتابه (مقال عن المنهج) الذي نشر سنة 1637م. والذي يعد اسهاماً مهماً في تأسيس المناهج الغربية، إلى درجة أنه أحدث تموجاً كبيراً في الساحة الفكرية والثقافية، نجد أن أهم ما عالجه ديكارت في هذا الكتاب هو مشكلة الشك كمنطلق للوصول للحقيقة، وهو الشك العلمي الذي يشك في كل شيء من أجل تقييمه بمنظور جديد.

 ومع أن ديكارت له مساهمات منهجية واضحة إلا أن أساس ما قاله يرجع إلى تأسيسات المسلمين، فقد ذكر الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه (المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت) الذي صدر 1973م[1]، يقول فيه: "وقد أثبت هذا البحث بالنصوص القاطعة التطابق الواضح بين المنهج الفلسفي لدى كل من الغزالي وديكارت، والمنهج المعروف بالشك المنهجي. وقد أشرف على هذه الرسالة الأستاذ راينهارد لاوت، وهو من أشد المعجبين بفلسفة ديكارت، وكان يعلن في محاضراته أن الفلسفة الحقيقية قد بدأت بديكارت... وقد كان أمراً مفاجئاً للأستاذ المشرف – بطبيعة الحال – أن يرى أن الغزالي قد سبق ديكارت إلى اكتشاف واستخدام الشك المنهجي... وفي سنة 1992م قامت بنشرها دار نشر كبرى، وتناول الرسالة بعض الباحثين الغربيين واشادت بها الصحيفة السويسرية اليومية في مقال كتبه (كريستوف فون فولتسوجن) تحت عنوان (هل كان الغزالي ديكارتا قبل ديكارت؟)، وأشار الكاتب إلى أهمية الكتاب بوصفه عملا علميا جديراً بالإعتبار، مبينا أنه قد كشف عن حقيقة مفادها أن الشك المنهجي الذي يعد عملا تأسيسيا حاسما في الفكر الغربي، مرتبط بالفلسفة الإسلامية في القرن الحادي عشر، أي قبل ديكارت بأكثر من خمسة قرون"[2]

"وقد أكد أحد الباحثين في عام 1976م، تأكيداً قاطعاً اطلاعه على دليل مادي في مكتبة ديكارت يثبت تعرف ديكارت على فكر الغزالي وتأثره به عن طريق ترجمة لكتاب (المنقذ من الضلال) للغزالي. وقد ضمن هذا الباحث وهو المؤرخ التونسي المرحوم عثمان الكعاك هذه الأقوال في بحثه الذي قدمه إلى ملتقى الفكر الإسلامي في الجزائر عام 1976م" [3]

والدليل المادي الذي أشير إليه في المقطع السابق هو أنه عثر هذا الباحث على نسخة من كتاب المنقذ من الضلال للإمام الغزالي، مترجمة إلى اللاتينية، في مكتبة ديكارت الخاصة بمتحفه في باريس، وفي إحدى صفحاتها إشارة بالأحمر تحت عبارة الغزالي الشهيرة «الشك أولى مراتب اليقين»، وعليها حاشية بخط يد ديكارت بعبارة «تُنقل إلى منهجنا»[4]

والشواهد كثيرة التي تدل على مساهمة المسلمين في بناء المناهج العلمية، وعليه من الإجحاف مصادرة كل هذه الجهود بكلمات ليس لها أي رصيد علمي، صحيح أن المسلمين اليوم في حالة من الركود الفكري، إلا أن ذلك لا يعد شاهداً على فقرهم المنهجي.

الهوامش:

 [1] - كان هذا الكتاب في الأساس رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة ميونخ بألمانيا 1968م.

[2] -  ذقذوق محمود حمدي، المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت، دار المعارف القاهرة، ص 11- 12

[3] - محمود حمدي زقزوق، دور الإسلام في تطوير الفكر الفلسفي، جامعة قطر، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ، العدد الثالث، 1984م، ص 65.

ـ [4] http://thaqafat.com/2016/03/30348