اسطوانة مشروخة: الأحكام الشرعية لا يمكن تطبيقها!

هنالك سؤال نَخافُ أن نُبيّنَهُ أو نَطرحَهُ، وهو: هذه المَنظومة الكامِلَة للأحكام، أحكام العِبَادات والمُعامَلات والجِهاد والأمر بالمَعروف والنَّهي عَن المُنكر هل يُمكن تَطبيقها علىٰ أرض الواقع كلّها، وليس تشريع فقط؟

نَحنُ عِندَما نَكون في مَشاكِل ومُجتَمع غير مُتَقَبِّل هذه الأحكام، نَشعر أنه لا يُمكن تَطبيق هذه الأحكام ولِهذا الكثير مِن الأُخوة والأخوات في الجَامِعات يَقولون: هنالك أشياء في التَّشريع غير مُراعية أمور التَّطبيق، لذلك لا يمكن تَطبيقها كلّها، يجب أن نَتنازل عَن بعضها. ونَفس هذا الاعتِراض نَجِده في الأسواق والمُؤسسات وفي كلّ مجالات الحياة.

وهذا الشُّعور بأن هنالك مَوانع في مَجال تَطبيق الأحكام الشَّرعية، هذا الشُّعور النَّفسي، شَيئاً فشَيئاً يُبرر لَنا عدم الإلتزام الدِّيني، وهذه مُشكلة تَجر الإنسان إلىٰ العصيان مِن حيث لا يَشعُر. يُبَرر لنفسه أنه هذا لا أستطيع الالتزام به وهذا المُجتمع لا يَلتزم به ويُبرر لِنفسه أنه لا يُمكن تَطبيق الأحكام في مَجالِه، وشيئاً فشيئاً يُصبح كمَن لا يَلتزم بالدِّين.

هذه المُشكلة النّفسية حلها أن يُذَكر الانسان نَفسه بهذه النقاط الثلاثة:

١- أن المُشَرِّع لِهذه الأحكام هو الخَالِق والخَالِق هو المُشَرِّع وليس جهة أخرىٰ، يَعرف قُدراتنا، بَصِير بما نَصنَع، والظرُوف التي نَعَيشُها، وحكيم لما شَرّع هذه الأحكام بقُدَرته أعطانا قُدرة، اختيار، ويَعرف أني قَادِر علىٰ تَنفيذها، «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها»، فكلنا قادرون علىٰ أداء التكاليف.

٢- «فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ»، الله عَزّ وجَلّ شَرَّع هذه المَنظومة الكامِلة مِن الأحكام فَائدتها وأرباحها كلّها لك.

٣- هناك ثُلَّة طَيبَة ولَيست بقَليلة أدتْ هذه الأحكام في حَياتنا الدَّنيويَّة، علىٰ رأسهم مُحمَّد وآل مُحمَّد صَلوات الله عَلَيهم.

هنالك أعذَار تَقول هَؤلاء أئمَة وهؤلاء مَعصُومُون لذلك كانوا قَادِرين علىٰ تطبيق الأحكام، وهذا تَفكير خاطىء وجداً مُهَدِّم للعَقيدة، هل أهل البيت كانوا مُجبَرين علىٰ العبادات، أبداً!

مَنزلة رَسول الله (صَلّىٰ عَلَيهِ وآله) كانت عَالية عِند الله عَزّ وجَلّ لإنه مُختار وباختياره اختار طاعَة الله عَزّ وجلّ وهذا هو فَضْله، عاشَ أهلُ البيت ظروفاً قَاسيَة ليس هناك أقسىٰ منها ورُغم مَظلوميَّتهم طَبَقوا أحكام الله عزّ وجلّ، مَريضُهم مُلتَزم، سَجينُهم مُلتزم، في لَحظات التَّضحية والغُربة كان يَلتزم، هؤلاء حُجَة علينا.

هذه أهمية التَّأسي حينَ يقول القرآن «لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»

وعندنا عُلَماء وعندنا مِن الصَّالِحين اِستَطاعوا الالتِزام بهذه الأحكام وتَفاصيلها مِن واجباتها ومُستحباتها إلىٰ تَرك مُحرماتها. 

المُشكلة إذاً لَيس في الأحكام ولا شروط الزمان والمكان.

 الخُلاصة: أنَّ هذه القَضية نَفسيَّة تُسَيطر علينا، الله الله في تَربية النَّفس علىٰ الالتزام بالأحكام وتَقويَة النَّفس، الخالق مَنحني قُدرة وعَالِم بقدرتي، الالتزام في مَصلحتي، عندنا أُسوة وقدوة في التطبيق،

ونحتاج إلىٰ الدعاء وتَسديد مِن الله عزَّ وجلَّ، الإمام زَينُ العابدين علمنا أن نَطلب مِن الله أن يُسددنا لِتطبيق أحكامه.

*مُقتطفات مِن محاضرة السَّيّد عَمار الحُسَينيّ - قرّرها: آيات الحسيني

  مَركز طيبة للفكر والمَعرِفة

 ١٠ ربيع الأول ١٤٤٤هـ | ٢٠٢٢.١٠.٧

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام