حقوق الإنسان في الإسلام

نشاء مصطلح حقوق الإنسان وتطور ضمن الثقافة الغربية، ولذلك لا يمكن اعتماد المصطلح وتعميمه دون الوقوف على دلالته المفهومية، فالكلمات وإن كانت واضحة الدلالة إلا أن الخلفية الفلسفية والايدلوجية تفرض عليها معاني ودلالات خاصة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فمع وضوح كلمتي الحقوق والإنسان إلا أنهما من الكلمات الأكثر عرضة للشحن الايدلوجي والثقافي، ومن هنا كان من الضروري الوقوف على الخلفية الثقافية المنتجة لهذا المصطلح، وبخاصة إذا علمنا أن مفهوم حقوق الإنسان تشكل في أحضان النظام الليبرالي، والذي نشاء بدوره في أحضان فلسفة عصر النهضة التي أعلت من قيمة الفرد باعتباره أسبق من المجتمع وأسمى منه، فالإنسان كفرد هو القيمة القائمة بذاتها، والقانون المستمد من الطبيعة هو الذي يمنح الإنسان هذه القيمة الفردية، وعليه فإن مفهوم الحقوق مستمد من القانون الطبيعي، ومفهوم الإنسان مستمد من الإنسان الطبيعي ذو البعد الواحد وهو البعد المادي، والإنسان ضمن هذا الوصف مكتفي بذاته حيث يشكل من نفسه المرجع والمعيار لكل شيء، وبالتالي ليس أمامه أي حدود أو قيود تاريخية أو اجتماعية أو أخلاقية أو ثقافية فهو يعيش في الزمان الطبيعي ولا يعيش في الزمان الإنساني الذي تحكمه القيم والأخلاقيات.

والإنسان ذو البعد الطبيعي والمادي لا يتم تفسيره بالمعطي القيمي والأخلاقي، إنما يتم تفسيره غرائزياً وبحسب ما تملي عليه حريته الشخصية، حتى أحاسيسه ومشاعره هي في الواقع ليست إلا نتاج للطبيعة المتأصلة فيه، والعقل ضمن هذا التصور فاقد للسلطة وخاضع بشكل دائم لميولات النفس ورغباتها، فالحرية الشخصية المتأصلة في هذه الثقافة تعمل على تحطيم كل القيم والمبادئ الأخلاقية، فلا يسمح للإنسان بالتفكير في المعاني الروحية والبحث عما هو مقدس؛ لأن ذلك يمنع الإنسان من الذوبان التام في جانبه الطبيعي والمادي، وحتى لو تم الحديث عن القيم الأخلاقية فلا يتعدى ذلك الدوافع الطبيعية القائمة على الأنانية والحرص على البقاء والمنفعة، فالأنظمة والقوانين التي يتم التوافق عليها تستهدف في الحقيقة الحفاظ على البقاء المادي للإنسان، وهكذا فالإنسان في هذه الثقافة هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة، بخلاف النظرة الدينية التي تجعل الإنسان جزءاً يتجزأ من الطبيعة، فلو استحال على الإنسان مفارقة الطبيعة من خلال بعده الروحي والمعنوي، فحينا سيكون متبدلاً ومتحولاً مثل الطبيعة والمادة، وبذلك تنعدم الثوابت وتتلاشى المشتركات الإنسانية على المستوى المعرفي والأخلاقي.

وعليه عندما تتحدث الثقافة الغربية عن الإنسان كمبدأ أساسي إنما تتحدث عن الإنسان الطبيعي ذو البعد الواحد وهو البعد المادي، أي الإنسان الخارج عن حدود القيم الأخلاقية، الأمر الذي يجعلنا نتأكد من ضبابية الشعارات الإنسانية التي تتبنها الثقافة الغربية، فكيف يمكننا أن نتفهم قيمة إنسانية والإنسان ليس شيئاً خارجاً عن المادة العمياء؟، فعدم الاعتراف بالروح الإنسانية المرتبطة بمصدر الكمال الغيبي لا يبقي معه وجود لأي مبرر للقيم أو الفضائل أو الأخلاق، فالحرية كقيمة إنسانية والديمقراطية والعلمانية والعقلنة والاسس العلمية كل ذلك جاء في إطار النظرة الطبيعية والمادية للإنسان، حيث تتحرك كلها في إطار تكريس الجانب المادي والأناني في الإنسان، ومن هنا تختلف مقاربتنا لهذه القيم عندما ننظر إليها كموحدين ومؤمنين بالله تعالى.

فحقوق الإنسان ليست مجرد مبادئ وقوانين يجب مراعاتها عالمياً وحسب، وإنما هي أيضاً رؤية ثقافة لها تفسيرها الخاص للإنسان والحياة والحقوق، وتعميمها دون مراعاة الفوارق الثقافية لا يخلو من انتهاك لحقوق الإنسان الآخر صاحب التفسير المغاير للإنسان والحياة والحقوق، وعليه فإن الحقوق والإنسان لا يمكن النظر إليهما من زاوية واحدة، وإنما تتعدد الزواية بتعدد الخلفيات المعرفية والثقافية، فمثلاً كارل ماركس وكمناهض للمشروع الليبرالي يرى مقولة حقوق الإنسان مجرد خدعة عالمية، فالمقصود منها ليس مطلق الإنسان، وإنما فقط الطبقة البرجوازية المدافعة عنها، ولهذا نجده يقدم نقدا لاذعا لمقولة حقوق الإنسان من خلال تأكيده على الإنسان المجتمع لا الإنسان الفرد، ومن اجل ذلك رفض ماركس ربط حقوق الإنسان بالطبيعة؛ لأن الطبيعة عنده ماهية مجردة بينما الماهية الإنسانية ليست للفرد المعزول، بل هي في واقعيتها مجموع العلاقات الاجتماعية الناتجة عن صراع الإنسان مع الطبيعة من جهة، وصراع الإنسان مع أخيه الإنسان من جهة ثانية، وعليه فحقوق وحريات هذا الإنسان ليست صفات خاصة بإنسان لا زماني ولا تاريخي، وإنما هي في الواقع صفات لأفراد منخرطين في سيرورة الإنتاج الاجتماعي، فحسب النظرية الماركسية يجب أن لا تفصل حقوق الإنسان عن حالة التطور التاريخي للمجتمع، ففي نظر ماركس لا وجود لحقوق الإنسان إلا ضمن حقوق المجتمع، وقد طرح ماركس على الليبراليين مجموعة من الأسئلة المحرجة فيما يتعلق بالحقوق منها:

ـ ما الحاجة لحق الحرية بالنسبة للذي يوجد في علاقة تبعية كلية لرب المعمل؟

ـ ما جدوى الحق في الملكية بالنسبة لمن لا يملك شيئا؟

ـ ما الحاجة إلى الحق في ضمان الأمن بالنسبة لمن يموت جوعا؟

ـ ما معنى وما قيمة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية إذا لم يتعد الأمر إعلانها إلى ضمانها الفعلي عن طريق إقامة شروط اجتماعية واقتصادية تمكن من ممارستها فعليا؟

ـ ما جدوى الحق في العمل بالنسبة للعاطل الذي لا يمكن أن يجد عملا؟

ومن خلال مناقشة ماركس لقضية حقوق الإنسان كما طرحها الفكر الليبرالي يستنتج ماركس أن عقيدة حقوق الإنسان ليست سوى إيديولوجيا تدافع بالأساس عن القيم الأنانية للمجتمع البرجوازي التي تجعل من الإنسان شخصا معزولا عن الآخرين، بينما هو قبل كل شيء موجود اجتماعي لا يمكن أن يحقق ذاته إلا بالجماعة الاجتماعية وداخلها، أي داخل علاقته مع الناس وبهم، وهكذا: فالحق في الحرية الذي يتم تعريفه بأنه هو "الحق في كل ما لا يضر بالآخرين" هو في العمق حق الفرد في عدم الاهتمام بالآخرين، هو حق الفرد في الانطواء على ذاته بشكل أناني ونرجسي، إنه حق العزل والتفرقة والأنانية كما يرى ماركس، حتى حق الملكية ضمن هذه الرؤية ليس إلا حق الفرد في التمتع بممتلكاته الشخصية دون الاهتمام بالآخرين الذين لا يملكون شيئا.

وهكذا يتضح أن حقوق الإنسان في المجتمع الليبرالي الرأسمالي حسب المنظور الماركسي ما هي إلا حقوق في خدمة مصالح الطبقة البورجوازية الرأسمالية، وبذلك فهي حقوق ذات وظيفة إيديولوجية كما أنها حقوق خاصة بالفرد دون المجتمع.

كل ذلك يؤكد على مدى تحكم الخلفيات المعرفية والفلسفية في مقاربة حقوق الإنسان، وعليه من المعيب تعميم هذا المصطلح على الفكر الإسلامي دون الوقوف على فلسفة الإسلام فيما يتعلق بالإنسان من جهة وما يتعلق بفلسفة الحقوق من جهة أخرى، ومن غير المنطقي الاكتفاء بتعديل المصطلح أو اقتراح مصطلح آخر كما حاول بعض المفكرين اقتراح مصطلح (الكرامة الإنسانية) كمصطلح أكثر انسجاماً مع الإسلام من مصطلح الحقوق.

ونحن هنا لا نغفل عن الجهود الكبيرة التي بُزلت في العالم العربي والإسلامي للتأكيد على حقوق الإنسان، فهناك الكثير من البيانات والمواثيق التي صدرت في العالم الإسلامي لحقوق الإنسان مثل: البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1980. وبيان حقوق الإنسان في الإسلام الذي صدر عام 1980.  وإعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام عام 1981. والإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الصادر بطهران عام 1989. مضافاً للكتابات العديدة التي نظرت لحقوق الإنسان في الإسلام، إلا أن تلك الجهود في معظمها كانت نتاجاً للتفاعل السلبي أو الإيجابي مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومن هنا نجد محمد مهدي شمس الدين في إطار تقييمه لمنهجية الكتابات الإسلامية حول حقوق الإنسان، يرى أن تلك الكتابات تنطلق في الغالب من ثلاث خلفيات وهي:

أ – الخلفية الأولى: خلفية الروح الدفاعية: فبعض الأبحاث نصبت نفسها للدفاع عن الإسلام أمام من يتهمه بمخالفة احترام حقوق الإنسان. وعليه فهي بمثابة متهم يدافع عن نفسه.

ب – الخلفية الثانية: خلفية التناظر: وتمثلها الأبحاث التي كتبت لبيان احتواء الإسلام على حقوق إنسانية نظيرة لتلك التي تم الإعلان عنها في الغرب أو من قبل الأمم المتحدة، وعليه فالإسلام ليس شاذا في ذلك أو مخالفا عنه

ج – الخلفية الثالثة: خلفية التظلم: وتتمثل في تلك الكتابات التي يأتي بها أصحابها ليعرفوا من خلالها بكل ما يتعرض له المسلمون من ظلم وانتهاك لحقوقهم لا لشيء إلا لأنهم مسلمين، وذلك بالاحتكام إلى حقوق الإنسان كما أعلن عنها دوليا

ويمكن أن يضاف ايضاً بأن الكتابات التي حاولت التأصيل لحقوق الإنسان في الإسلام، انطلقت من الحقوق المنصوص عليها في المعاهدة الدولية ومن ثم بحثت عن مصدر لها في النصوص الدينية، وهذا النوع من البحث يعد بحثاً انتقائياً لا يسلم من الوقوع في التناقض احياً، وقد يضطر البعض لرفض بعض النصوص أو تأويلها بتأويلات غريبة، فمثلاً نجد البعض قد رفض التمييز بين الرجل والمرأة في الميراث، والبعض الاخر اعتبر الحجاب مخالف لحقوق المرأة لكونه مقيداً لحريتها، وهكذا وجد البعض نفسه في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع النصوص، والسبب في ذلك هو اهمال الرؤية الشاملة التي تحكم مسار الحقوق في الإسلام، ومن هنا كان من الضروري البحث عن فلسفة الإسلام فيما يتعلق بالإنسان والحقوق بوصفه المسار الذي يرسم خارطة الحقوق في المنظور الإسلامي، فموقف الإسلام من الإنسان هو الذي يحدد المعايير التي تضبط حركة الحقوق والواجبات، ويتم ذلك بمعرفة القيم الكبرى التي تتحكم في الغاية الأساسية من وجود الإنسان، ومن ثم ملاحقة القيم والحقوق المتفرعة التي تصب في خاتمة المطاف في خدمة تلك الغاية المحورية.

ومن الصعب في هذا المقال المحدود الوقوف على كل ذلك، ولذا سنكتفي بالإشارة للملامح العامة لفلسفة الإسلام فيما يتعلق بالإنسان والحقوق، ونضع بعض المعايير التي تشكل الإطار الذي نفهم به الحقوق المفترض مراعاتها وعدم التفريط فيها، ولتكثيف الكلام حول هذه القضايا سنعمل على وضعها في نقاط.

أولاً فلسفة الإنسان في الإسلام:

قيمة الإنسان في نظر الإسلام لا يمكن فصلها عن الخالق، والسبب في ذلك أن قيمة الإنسان ليست في كونه إنسان طبيعي وإنما قيمته في القيم التي يحملها ويتحلى بها، وبما أن الله تعالى هو مصدر تلك القيم فحينها تكون قيمة الإنسان بمقدار ارتباطه بذلك المصدر، وهنا نفهم لماذا أنزلت بعض الآيات قيمة البعض إلى مستوى قيمة الحمار والكلب والانعام؟ والسبب في ذلك هو مفارقة الإنسان للغاية التي وجد من أجلها، ومن تلك الآيات قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وقوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وقوله تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)، ولا يمكن فهم تلك الاوصاف على أنها مجرد اوصاف اعتبارية، وإنما هي وصف موضوعي يكشف عن القيمية الحقيقية لأصحابها، وفي مقابل ذلك جعل القرآن الإيمان بالله والارتباط به هو الذي يمنح الإنسان القيمة، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وقال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، وقال تعالى: (أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، وغير ذلك من الآيات التي تمتدح المؤمنين بالله تعالى.

وعليه فإن الإنسان الطبيعي والمادي ليس ذو قيمة بعيداً عن روحه التي تتحلى بقيم الكمال؛ لأن الروح كحقيقة أصيلة في الإنسان هي التي تعشق الكمال وتسمو إليه، فكمال الروح في العلم، والمعرفة، والكرامة، والشرف، وبقية الفضائل والقيم، أما الجانب الطبيعي في الإنسان فلا يحتاج إلى أكثر من الأكل والشرب والسكن والجنس، وقد وفرت الطبيعة للإنسان كل ذلك حتى عندما كان بدائياً لا يمتاز كثيراً عن الحيوان، ومن هنا فإن حصر الإنسان في جانبه الطبيعي واهمال الروح ضياع للقيمة الحقيقية للإنسان.

ويمكننا أن نؤكد أن عشق الإنسان للقيم وتطلعه للكمال نابع من إيمان الإنسان بالله وبأسمائه الحسنى، ومن هنا كان كمال الإنسان عن طريق الاتصال بالله ومن ثم التخلق بأخلاقه، فأعظم ما يتطلع له الإنسان هو تجاوز الأنانيات الضيقة والتحول إلى حالة أسمى وأرفع، وذلك لا يكون إلا بعد الإيمان بالله وبأسمائه الحسنى، فمحدودية الإنسان من جهة واطلاقية القيم من جهة أخرى تفرض عليه تجاوز الذات والمادة للبحث عن مصدر هذا الإطلاق، فمثلاً العلم كقيمة مطلقة، أو العدل، أو القدرة، أو الرحمة، وغيرها من قيم الكمال، تتضمن أطلاقاً لا يجده الإنسان في عالم المادة ولا يلمسه في واقع الشهود، وفي الوقت نفسه يؤمن باللامحدودية لهذه القيم، فلا يفهم الإنسان هذا الإطلاق إلا إذا تعلق بالله وآمن به، فارتباط هذه القيم بالله عبر أسمائه الحسنى مثل العليم، القدير، الرحيم، وغيرها من الأسماء، يجعل خيار الإنسان محصور في الارتباط بالله من أجل التخلق بأخلاقه.

وبالتالي الإيمان بالله في حقيقته تحديد لمسار الإنسان، فبدل أن يكون مسار الإنسان نحو الذات يكون مساره نحو الله، وقيمة حياة الإنسان بقيمة الهدف الذي يسعى إليه، ومن هنا كانت حياة الإنسان بين مسارين، بين حبه لله وحبه لهواه، أي بين أن تكون حياته لها قيمة وبين أن تكون القيمة هي الأنا والشهوة، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، وقال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)

فإذا كان الإنسان مفطوراً على حب الكمال فهو مفطور قبل ذلك على حب الله تعالى، والإيمان بالله ليس إلا استحضاراً لهذا الحب في القلب، ومن هنا كان أول ما يتفرع من الإيمان هو الحب، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: هل الدين إلا الحب؟! إن الله عز وجل يقول: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) وقال: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلهِ) ومن هنا لا يمكن أن نفهم حقاً للإنسان يتعارض مع محبته لله تعالى، فالحقوق التي لا يكون أساسها الحب تكون وبالاً على الإنسان، قال تعالى: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ)، وعلى ذلك لا يمكن أن يكون من حقوق الإنسان الكفر أو القيام بما يجعله في حالة من التحدي للخالق سبحانه وتعالى.

ويتفرع من حب الإنسان لله حبه لمخلوقاته التي هي مظهراً لقدرته وجماله، وبذلك تكون الحقوق مشتركة دون تفرقة أو تمييز، فلا يتمتع بها إنسان العالم الأول بينما يحرم منها إنسان العالم الثالث، والضمان لتحقيق ذلك هي الحقوق النابعة من محبة الله ومحبة مخلوقاته، فالجميع خلق لله وليس نتاج الطبيعة وقانون البقاء للأقوى وتمايز الأنواع والأعراق البشرية.

وبذلك يمكننا الجزم بإن هناك إله في وجدان كل إنسان يمثل مطلق الكمال والجمال، ولو لا ذلك لما تطلع الإنسان وتسامى بروحه لذلك الكمال، والله هو الذي تجلى بأسمائه الحسنى في هذا الوجود، وكلما تفكر الإنسان وجد جماله وكماله ظاهراً في كل زاوية من زواية وجوده وحياته، فكل أسم من أسمائه الحسنى هو في الواقع قيمة كمالية للإنسان، فالذي يكسب جسده على حساب روحه حتماً ضاعت منه إنسانيته، ومن هنا كان الكفر بالله هو كفر بالإنسان.

وبذلك يكون التوحيد في نظر القرآن هو الأساس الذي يبني عليه الإنسان رؤيته في الحياة، بحيث لا يمكن إيجاد رؤية لها علاقة بالإنسان اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وغير ذلك مالم تكن هذه الرؤية ملتفته لطبيعة الإنسان المخلوقة، ومن هنا فإن الانحراف الذي نرصده في بعض التوجهات الفكرية سببه الجهل بحقيقة الإنسان المخلوق لله تعالى، فكون الإنسان جاء إلى الوجود كتعبير عن إرادة الله يشكل الأساس الذي نفهم به قيمة الحياة ومن ثم قيمة الإنسان فيها.

 والإنسان بوصفه مخلوقاً يمتلك إرادة خاصة ينحصر مساره حينها بين السير في الاتجاه الذي يخالف إرادة الخالق، وفي المسار الذي يجعل حياته تتناغم مع تلك الإرادة في حالة من الانتظام الكامل مع سنن الحياة والوجود، قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، وبالتالي مصير الإنسان مرتبط بفهمه لمعنى الحياة، ونقطة البداية لهذا الفهم هو اعتراف الإنسان بخالقه وإيمانه بربوبيته، وحينها يدرك الإنسان أن هناك إرادة إلهية ترسم له أهداف وجوده، والإنسان هو الذي يتحمل مسؤولية إنجاز تلك الأهداف، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، وهذه الأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال قد حملها الإنسان لكونه يمتاز عن غيره بالعقل والإرادة، فوجود الإنسان وكرامته رهينة لتحمله لتلك الأمانة التي جعلته مخلوقاً مريداً يسعى للانسجام مع الحِكمة العامة التي يسير عليها كل الوجود، وألا يكون ظالماً لنفسه وجاهلاً بحِكمة خلقه، وفي المحصلة يمكننا القول إن الحياة قائمة على فلسفة تبدأ من معرفة الإنسان بخالقه.

ونستفيد مما تقدم إن الإنسان مخلوق له غاية، وتلك الغاية لا يمكن أن تفهم دون الارتباط بخالق الإنسان والحياة، فالله واسمائه الحسنى هو مصدر القيم والغايات التي خلقت الحياة من أجلها، ومن هنا فإن كل الحقوق والتشريعات تكتسب أهميتها من ارتباطها بتلك الغايات، فلا يكون لوجود القانون مبرر مالم يكن محققاً لقيمة من تلك القيم، ولذلك كانت قيم الدستور ومبادئه تمثل الأساس لجميع القوانين والأنظمة والتشريعات، والأمر نفسه في ما يتعلق بمجمل الحياة الإنسانية، فالحياة بمجملها لها قيم تمثل مرجعاً دستورياً لنظم الحياة وقوانينها، وليس من حق الإنسان أن يرسم حياته بحسب ما تمليه رغباته وشهواته، وإنما يجب أن يبني حياته بما يتفق مع قيم الحياة وغاياتها، وبذلك يمكننا القول إن بداية التفكير في حقوق الإنسان يجب أن تبدأ من معرفة القيم الحياتية بوصفها مرجعاً دستورياً لتلك الحقوق، وبذلك نكون قد مهدنا الطريق للنقطة الثانية وهي فلسفة الحقوق في الإسلام.

ثانياً فلسفة الحقوق في الإسلام؟

أتضح أن الحقوق في الإسلام تستمد جذورها من فلسفة وجود الإنسان، فغايات الحياة وقيمها هي التي تمثل المرجع الدستوري لجميع الحقوق والواجبات، وفي قمة الهرم القيمي يتجلى نور التوحيد، ثم أسماء الله الحسنى، وبعدها يأتي دور الإيمان كصلة بين الحق والخلق، ومن الإيمان تجري روافد الحقوق والواجبات، لأن الإيمان في واقعه هو التسليم للحق، وفي البدء التسليم للحي القيوم الذي به قامت السماوات والأرض، ثم التسليم لأسمائه الحسنى التي تتجلى في الطبيعة سنناً وفي الإنسان مُثلاً وفضائل وقيماً.

والإيمان في واقع الأمر تعبير آخر عن الاعتراف بالحق؛ لأن ثقة العقل بمعارفه هي التي تحقق التسليم بوجود الأشياء وبالتالي الإيمان بما للأشياء من حقيقة وحقوق، فحين تؤمن بوجود شخص لا بد أن تعترف بحقه في الحياة، كما تعترف بحقه في أن يعيش كريماً، وهكذا جميع حقوقه الضرورية والكمالية، فالاعتراف بالآخر هو بداية العلاقة القائمة على الحقوق الموضوعية؛ لأن هذا الاعتراف يعتبر بذرة الحقوق في العلاقة مع الآخر، وهذه هي حِكمة المعرفة وثمرة العقل، فمن دون الإيمان بحقيقة الأشياء وواقعيتها يستحيل التواصل معها والتكامل بها، فكل شيء موجود يعتبر ذا حق، لأننا نعترف به، وبالتالي علينا أن نتكيف معه. فمثلاً الطبيعة موجودة، وحقها الاعتراف بها، فقد نسخرها لمصلحتنا، وهذا حقنا عليها، وقد نحافظ عليها ونرعاها وهذا حقها علينا، لأن اعترافنا بها يستدعي التكيف معها بصورة أو بأخرى. وهكذا تأتي شرعية الحقوق حسب هذه الفلسفة ولكن ليس من باب منفعة الشـيء للذات وإنما من باب الاعتراف بوجوده كشيء موضوعي قائم وله حقوق كما له حقيقة، وبذلك يتحول الإيمان بالله وبخلقه إلى قاعدة الحقوق التي تبنى عليها العلاقة مع الآخر، ومن الواضح أن الإيمان يشمل الإيمان بالغيب والإيمان بالشهود، أي حقوق الله وحقوق الناس.

وإذا رجعنا للقرآن الكريم نجد أن الأساس في العلاقة بين الناس هو اعتراف بعضهم بالبعض الآخر قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) أن التدبر في كلمة تعارفوا يقودنا إلى أن المقصود ليس مجرد المعرفة النظرية كأن نعرف مثلاً أن هناك شعوباً عربية وأسيوية واوربية وغير ذلك، وإنما المقصود المعرفة التي تقود للاعتراف بحقها في الوجود والحياة، ففي الرواية (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) فالمؤكد أن المقصود من معرفة امام الزمان هي المعرفة التي يترتب عليها الأثر وليس مجرد المعرفة الذهنية، فمن يعرفه ولا يرتب أثر على تلك المعرفة لا يختلف عمن لا يعرفه بالمرة، وبذلك يكون منظور الحديث من مات ولم يعترف بإمام زمانه مات ميتة جاهلية، وهكذا الحال في هذه الآية، فالاعتراف بالتنوع في الواقع البشري هو الذي يرسم حدود العلاقة فيما بينهم، وقد فصلت هذه الآية بين هذه الحقوق وبين القيمة الحقيقية للإنسان، فقد أكد زيل الآية على أن اكرم الناس عند الله هو المتقي (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وكلمة عند الله تكشف عن أمرين، الأول: أن الله وحده هو العالم بالمتقي حقيقتاً، والثاني: أن ترتب الأثر على هذه القيمة يكون عند الله وليس عند البشر، بالتالي لا يكتسب المتقي حقوق إضافية تزيد على حقوق الآخرين، وإن الحق الذي يناله بسبب التقوى يكون في يوم القيامة وليس في الدنيا، ومع ذلك لا تسقط التقوى من الاعتبار الدنيوي بالمطلق وإنما تتحول إلى معيار لبقية الحقوق فإي شيء يتعارض مع التقوى لا يعد حقاً من الحقوق، بمعنى أن كل فعل يمنع الإنسان من تحقيق هذه القيمة لا يعد حقاً من حقوق الإنسان، وسوف نؤكد على هذا الأمر في النقطة التالية.

ثالثاً العمل الصالح وعدم الفساد كأسس للحقوق:

 الإيمان الذي يعد أساساً للحقوق هو الإيمان الذي يتجلى في السلوك العملي للإنسان، ومن هنا نفهم الربط الوثيق بين الإيمان والعمل الصالح في معظم الآيات تقريباً، قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، وقال: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)، وقال: (وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ)، وقال: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) وغير ذلك من الآيات التي تجعل العمل الصالح ثمرة الإيمان بالله تعالى، وفي المقابل حذر القرآن من الاتجاه الذي يعاكس العمل الصالح وهو الفساد في الأرض، قال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)، وقال: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)، وقال: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، وقال: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، وقال: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)، وقال: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، وغير ذلك من الآيات التي جعلت الفساد ثمرة الكفر بالله تعالى، وعليه فإن عدم الفساد يعد معياراً ضرورياً لجميع الحقوق، فالإسلام لا يعترف بأي حق يؤدي إلى الفساد، سواءً كان فساداً اجتماعياً مثل حق المثلية أو حق العلاقات خارج إطار الزوجية أو حق المرأة في أن تلبس ما تشأ أو غير ذلك من الحقوق التي تؤدي إلى مفاسد اجتماعية، أو كان فساداً اقتصادياً مثل الحق الذي يجعل الشخص حر في فعل ما يشاء بأمواله مثل نوادي القمار والتعاملات الربوية والسماح للسفهاء أن يفعلوا بأموالهم ما يشاؤون أو غير ذلك من المفاسد المالية، وهكذا فساد البيئة والمناخ الناتج من حق الدول في استهلاك ثروات الأرض وتوظيفها بالشكل الذي يؤثر سلباً على الحياة البيئة على كوكب الأرض، كل تلك الحقوق لا يمكن الاعتراف بها لأنها نوعاً من الفساد المنهي عنه شرعاً.

وبذلك نفهم لماذا ربط القرآن بين قيمة الإنسان وبين التقوى؟ والسبب في ذلك أن التقوى هي التي ترسم حركة الإنسان ضمن إطار العمل الصالح، ومن هنا لا يعترف الإسلام بحقوق للإنسان نابعة من الطبيعة إذا لم تراعي تلك الحقوق غايات الإنسان وأهدافه في الحياة، وهكذا يتضح أن الإسلام له معاييره الخاصة فيما يتعلق بالحقوق فنجده يحرم بعض الحقوق التي تجيزها مواثيق حقوق الإنسان ويحلل بعض الأمور التي تعارضها تلك المواثيق، والسبب في ذلك هو امتلاك الإسلام لرؤيته الخاصة فيما يتعلق بفلسفة الحياة، والإنسان، والحقوق، وبالتالي لا نسلم ببعض الإشكالات التي تثار على حقوق الإنسان في الإسلام مثل حق المرأة في عدم لبس الحجاب او مساواة المرأة بالرجل في الميراث أو حقوق المثليين أو بعض الاعتراضات على بعض الحدود الإسلامية مثل الجلد والرجم والقصاص أو غير ذلك، فإن جميع هذه الإشكالات تهمل النظر في معياري العمل الصالح والفساد في الأرض بوصفهما الضابط لتلك الحقوق، ومع أن هناك الكثير من الكتابات المقدرة في شرح فلسفة الإسلام في كل هذه القضايا، إلا أن فهم معياري العمل الصالح وعدم الفساد في الأرض بوصفهما الضابط للحقوق هما اللذان يرفعان تلك الإشكالات، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون)، وما دون ذلك فهي حقوق مباحة يجب توفيرها والمطالبة به.