دين الله واضح: لماذا اختلف الناس في أديانهم؟!

المؤكد أن حجة الله تعالى هي الحجة الواضحة، وأنه لم يفرض دينه على عباده حتى أوصله إليهم بأدلة وافية تنتهي بالآخرة إلى الضرورات والوجدانيات الفطرية التي من تبصر بها ورعاها وصل للحقيقة، وأن من لم يصل إلى الحقيقة من ذوي الإدراك الكامل لابد أن يكون مفرطاً في ذلك، ومغرراً بنفسه، بنحو يأباه العقل السليم ويستهجنه، ولا يرى له فيه عذر.

ومن ثم سبق منّا أهمية العقل في الدين، ولزوم متابعته فيه.

وهنا قد يتساءل البعض عن سرّ اختلاف الناس في أديانهم هذا الاختلاف الشاسع، وأن هذا كيف يجتمع مع قوة أدلة الدين الحق، ووضوح حجته وبرهانه؟!

وإذا كان بعض الناس يتعمد مخالفة الحق الواضح عناد، أو لمصالح مادية، فإن أكثر الناس ليسوا كذلك، بل يتبنى كل فريق دينه وعقيدته عن قناعة وإخلاص، ويعمل عليه ويسعى في ترويجه، ويدافع عنه بإصرار قد يبلغ حد التضحية بكل غالٍ ونفيس. وما ذلك إلا لخفاء الحق عليه.

ولذا قد يذهب الذاهب إلى أن الحق ليس بذلك الوضوح، وأن كل صاحب دين وعقيدة معذور فيما يعتقد، إلا من تعمّد مخالفة الحق مع وضوحه عنده، عناد، أو لمصالح مادية أو غير ذلك، كما أشار إليه في قوله تعالى: (وَمَا اختَلَفَ فِيهِ إلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعدِ مَا جَاءَتهُم البَيِّنَاتُ بَغياً بَينَهُم)[1]. وهم أقل القليل.

وجواب ذلك: أن كثرة الخلاف في الحق لا تنافي وضوحه، لا بمعنى وضوحه للمخالف فيه، بل بمعنى وضوحه في حدّ نفسه، بحيث لو أراد الإنسان الفحص عنه بالطرق العقلائية والنظر في أدلته، وتحكيم الوجدان فيه، لوصل إليه، وإنما لم يستوضحه المخالف لتفريطه في أمره، إما لعدم اهتمامه بالبحث والفحص، أو لوجود المانع عنده من الاستجابة للأدلة ـ من مصالح مادية، أو تعصب، أو تقليد أعمى، أو غير ذلك ـ يفقد الإنسان به رشده، ويعطل عقله، ويخرج بسببه عن الطرق العقلائية المعول عليها ـ عنده وعند جميع العقلاء ـ في عامّة الأمور.

ومن أجل ذلك لا يكون معذوراً بين يدي الله تعالى، الذي فرض الحق، وأوضح حجته.

*مقتطف من كتاب أصول العقيدة

 

[1] سورة البقرة آية: ٢١٣.