الله وأفعالنا.. هل الإنسان مجبور كـ ’الآلة الميكانيكية’؟

الفعل الإنساني

الله ... الانسان ... الفعل

تناولت العلاقة بين عناصر هذا الثلاثي ثلاثة من المدارس الاسلامية وهي:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

1ـ الاشاعرة: التي تقول بالجبر، وهو أن الانسان مجبور على مايقوم به من الفعل، والفاعل الحقيقي هو الله، فالإنسان بمثابة الآلة الميكانيكية التي تتحرك وفق ما يحركها به العامل، وقد استند الاشاعرة في قولهم هذا على آيات منها قوله تعالى (لايسأل عما يفعل) و ( نحن خلقناهم ومايصنعون)، واحتجوا بأن لو كانت ثمة إرادة مستقلة للإنسان فستكون إرادة قبالة إرادة الله وهذا ما لايمكن. وقد واجهوا مشكلة المساس بعدل الله، فكيف يجبر الله العبدَ على فعل ثم يحاسبه عليه؟!، لاشك أن هذا ظلم والظلم قبيح لاينبغي نسبته الى الله.

عالج الاشاعرة الإشكال بأن جعلوا معيار الافعال من قبح وحسن منوطا بالله وليس العقل، فالقبح ماقبحه الشارع (الله) والحسن ماحسنه الشارع. ولسنا هنا في معرض المناقشة والرد ولكنها همسة في أذن القائلين بالجبر والذين مازالوا بين ظهرانينا الى يومنا هذا... إن الجبر يحيل الانسان والفعل الانساني وصراع الخير والشر والانبياء وكل ماعدا ذلك من مصاديق الوجود الى أرذل المذاهب العبثية حيث يفقدها كل معنى بعد أن حوّل الكون الى آلة ضخمة تعمل أجزاؤها بشكل آلي مبرمج من قبل صانعها، بل إنه حوّل الله تعالى الى كائن سادي يلتذ بما يعانيه الطيبون الاخيار، الذين أجبرهم ـ الله ـ على مايفعلون، جراء مايفعله بهم الاشرار الاقوياء الذين أجبرهم على مايفعلون.

2ـ المعتزلة: القائلون بالتفويض، ومفاد ماقالوه هو أن الله أودع الانسان كل مستلزمات الفعل من قدرة وامكانية وبصيرة بموارد الشر والخير ثم تركه. تماما كما يصنع النجار الكرسي ثم ينفصل عنه نهائيا. ولاشك في أن ماتقوله المعتزلة تحقيق لمبدأ العدل، ولكنها وقعت في مشكلة الارادة.. فماذا لو أراد الانسان فعلا وأراد الله خلاف ذلك الفعل؟!

إن المعتزلة يجرونا بفكرة التفويض الى حالة أقرب الى الالحاد، فالملحد يكتفي بظاهر العلة المادية ممتنعا عن الخوض فيما هو أعمق من ذلك، فالحديد يتمدد بالحرارة نتيجة تباعد جزيئات الحديد بالنار، ولكن لماذا تتم عملية التباعد بتأثير النار؟ ومن أين تستمد مادة النار حرارتها؟ فلايخوض فيها. والمعتزلي هنا يجعل دور الله هو أنه خلق اليد ثم تركها كما يصنع النجار الكرسي ثم ينفصل عنه، ولنأت لحركة اليد، وهي تبدأ من فكرة أو إرادة في الذهن المجرد ـ حين يقرر الانسان أن يحرك يده ـ وهذه الارادة تنتقل من الذهن المجرد الى الدماغ المادي فيوعز الدماغ عصبا، وهو أقرب مايكون الى الشحنة الكهربائية، الى اليد دون سائر الاعضاء الاخرى، فتتقلص عضلة اليد بالشكل الذي يتلاءم مع الارادة الكائنة في الذهن.. هل يمكن أن يتم هذا من تلقاء نفسه؟! ومن دون الفيض الالهي!

3ـ الامامية: وفيها يقول الامام الصادق ع (لا جبر ولاتفويض وإنما أمر بين أمرين)، فالفعل كيما يتم صدوره من الانسان لابد من توفر الارادة والقدرة، وهنا الارادة من الانسان والقدرة من الله، وبذلك تنحل المشكلتين، حيث أن الانسان ـ هنا ـ يقوم بالفعل بإرادته واختياره فيكون مستحقا للعقاب والثواب، وإذا ما أراد الله خلاف ما يريده الانسان سلبه القدرة على الفعل.

إن إشكالية الفعل التي خاضت بها هذه المدارس الثلاث لاتقف عند حدود حركة الانسان أو شروعه في فعل معين، خيرا او شرا، بل بالوجود الانساني برمته ومعنى تواجده في الحياة. فالأشاعرة بفكرة الجبر قد عطلت كل المبادرات الانسانية الساعية الى التكامل والبناء وتحقيق الغايات والاهداف في هذه الحياة. والمعتزلة قطعت الصلة بين الانسان والله الذي هو العلة الأساس الذي لابد من توفرها لنجاح الانسان في مساعيه البناءة. ولم يعد ثمة جدوى للدعاء أو الالتجاء الى الله في أي شأن من شؤون الحياة. فيما نرى التوفيق واضحا وجليا في اتجاه مدرسة أهل البيت عليهم السلام من خلال الإشارة الى أن لكل من الله والعبد دور يتم من خلاله الفعل. وكما قال النبي الاكرم صلى الله عليه واله (إعقل وتوكل) 

واما العلم، فلايستثنى في النوع الانساني أحد في  القدرة على تمييز الخير والشر، وإذا ما احتج أحد بنسبية القيم واختلاف الثقافات والقناعات بين الناس، فإنه  يخلط أصول القيم وثوابتها وبين المتغيرات فيها، حيث أن الثبات للفضيلة والخير والعدل وأما أفعال الناس فهي مظاهر ومصاديق لها وفيها يتم الاختلاف. إن المرأة الغربية حين تظهر شبه عارية على البحر ترفض الظهور بالمظهر نفسه في محل آخر تبدو فيه كعاهرة.

واذا ماوجدت انماطا بشرية ذات شأنية خاصة، مثل وجود أناس ـ في يومنا هذا ـ يقتاتون على لحوم أموات البشر. فإننا نتحدث هنا على مستوى الشكل العام والسوي ثم إن هؤلاء البشر المقتاتين على لحوم الاموات يجدون في نفوسهم رفضا لأن يعتدي احدهم على الاخر وميل الى فعل الخير كما يتصورونه.