لماذا خلقنا الله؟!

لنطرح السؤال بهذه الطريقة، ما الغرض من خلق الإنسان؟ ولماذا خلقنا؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

یمكن أن نعرف الإجابة من خلال مشاهدة الآیات والروايات التي تؤصل للفكرة التالية: أن الغرض من خلق الإنسان هو وصوله إلی كمال الخلق، فقد خلق الله الإنسان لیصل إلى الكمال.

توضيح:

الهدف من أي فعل هو أحد المعاني الثلاث:

1. توخي الربح و الحد من الضرر: یشاهد الانسان في نفسه احتیاجات و نواقص تحفزه للعمل، و رفع العیوب عنه و تلبیة الرغبات.

2. إرباح الآخرین: إذا أراد الإنسان القیام بفعل، فإن هدفه الأول هو إرباح الآخرین، لكن الغرض من ذلك العمل في الواقع: هو التكامل الروحي والتوازن والاستقرار النفسي والباطني. فعلی سبیل المثال: الأب الذي یسهر علی تربیة و تعلیم ابنه، تراه یتعب نفسه و یتعذب، و یقول: لیس له غرض و هدف سوی مصلحة الابن، لیكون ابناً نموذجیاً و مثالیاً، و هو یعلم جیداً أن امتلاك الابن البار الجید هو من أعظم الشرف و أعلی الكمال، وفي مثل هذه الغایات و الأهداف أیضاً، فإن هدف الانسان هو تكامل النفس، ولكن لوصوله إلی هذا الهدف، یسعی إلی تكامل الآخر.

3. إذا لم یراع الفاعل مصالحه الذاتیة، بل یرعی مصلحة الآخر وإيصال المنفعة له، حاله حال الأم التي تنسی نفسها، وتعشق ابنها، لتكون كالفراشة، تحترق وتطیر، إذ هي لا تفكر بنفسها ومصلحتها. والمثال الآخر المشابه لهذا المورد: الانسان المغرم، الذي یغفل عن نفسه بالتضرع والعبودیة لله، قال علي (ع): «الهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك و لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك»، فلیس في هذا الهدف: ذاته و مصلحته الشخصیة، بل ینسی نفسه، فیظهر من خلال هذه المقاصد و الأهداف الثلاث، علینا أن ننظر أياً من هذه الأهداف الثلاثة هي مورد اهتمام الله عز و جل في خلق الإنسان والعالم؟ أما النوع الأول والثاني فلیس هما المراد بالتأكيد، لأن الله غني، فإذا عرفنا الله كذلك، وعلمنا أن الله وجود لانهاية له وغني، ولا مجال للنقص والحاجة في ذاته، یتضح حینئذ أن الهدف في فعل الله هو المعنی الثالث فقط، وهو عبارة عن: إيصال المنافع إلی مخلوقاته، و التكامل من كل جانب، و ورفع نواقصهم واحتیاجهم.

قال الشاعر الایراني ما معناه:

لم أخلق الخلق لأربح، بل لأفیض علیهم من جودي [1].

إنه لم یكن یرد أن یرفع حاجة عن نفسه، لأنه غني، و لم یقم بشأن الخلق، لیدفع نقصاً عن نفسه، لأنه منزه عن العیب و النقص. لقد خلق الله العالم و الإنسان لتتحرك كلها نحو الكمال، ویوصلوا القوة والقدرة الكامنة في ذواتهم إلی الكمال والفعلیة.

خلق العالم، لیستثمره الانسان في رفع احتیاجاته، وإداراك كمالاته منه. خلق الانسان، ومنحه الإرادة، لیختار بنفسه طيّ مسیرة التكامل، وینزه نفسه عن النقائص.

إن الغرض من خلق الكون والإنسان: هو التكامل القسري، و التكامل الإرادي، و عدم الوعي الذاتي للعالم، و الرغبة الذاتیة للإنسان، خلق ذلك كله لتكامل الإنسان، و الإنسان للقرب الإلهي، قال الشاعر الإیراني: الغیوم والریاح والشمس والقمر والنجوم  كلها مسخرات بأمره، من أجل أن تحصل علی رغیف الخبز، و لا تغفل[2].

لقد بعث الله الأنبیاء و الرسل من الخارج والعقل من الداخل لهدایة البشر، و وفر له المرافق والمستلزمات المادیة والمعنویة، وجعل خلق الكون و سائر المخلوقات وسیلة وصول الانسان إلی الكمال.

لقد خلق الله في الواقع هذا العالم بهذه العظمة وتنوعت مخلوقاته، فاختار الانسان رائداً من جمیع المخلوقات، ولو لم یخلق مخلوقاً بهذه الموهبة والقابلیة كالانسان، لكان محلاً لهذا السؤال: لماذا یخلو الكون عن وجود مثل هذا المخلوق؟ و لكي یصل إلانسان إلی الكمال، فقد بیّن طریق الوصول إلی الكمال بوضع القوانین واللوائح من قبل الأنبیاء، بالإشارة  إلی هذه المسألة، وهي: أن القرآن الكریم یقول: «و ما خلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون»[3]، فالغرض الأصلي كمال الإنسان، وعبادة الله: هي السبیل الوحید للوصول إلی هذا الكمال، أما بشأن خلق الملائكة و سائر الكائنات أیضاً، فعلینا أن نلتفت إلی أن السنن الكونیة الإلهیة تسیّر كافة شؤون العالم عبر قنواتها الخاصة، فخلق الملائكة، لیناط بكل منهم وظائف و واجبات محددة به، فیضطلع علیها كل منهم وفقاً لسیر السنن الإلهیة.