رحل النبي وانقطع الوحي: هل يتّصل جبرائيل بالأئمة (ع)؟!

لكي يتضح الأمر لابد من التفريق بين أمرين، الأول: الوحي بمعنى نزول جبرائيل إلى الأرض بغرض إبلاغ رسالة الله للعباد. والثاني: الوحي بمعنى مطلق الاتصال بالغيب سواء كان عبر الإلهام أو عبر حديث الملائكة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ومن المؤكد أن الأول منتفي بإجماع المسلمين لكون رسالات الله ختمت بالنبي محمد (ص) وبموته انقطع هذا الوحي عن الأرض، وعليه لا يمكن القول أن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) يوحى لهم بهذا المعنى، والأخبار المروية عنهم (سلام الله عليهم) تؤكد ذلك، ففي الخبر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من زار النبي (صلى الله عليه وآله) فليسترجع ثلاثا، ثم ليقل: أصبنا بك يا حبيب قلوبنا، فما أعظم المصيبة بك، حيث انقطع عنا الوحي وحيث فقدناك ما شاء الله، وإنا إليه راجعون) (مستدرك الوسائل ج10ص 190) وفي بحار الأنوار أن أمير المؤمنين قال لفاطمة الزهراء (سلام الله عليهم): (من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر، والوحي قد انقطع عنا؟ فقالت: يا أبا الحسن رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصر من الدر....) مما يدلل بشكل واضح أن الوحي الذي كان ينزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد انقطع بانتقاله إلى الرفيق الأعلى. 

أما مطلق الاتصال بالغيب فليس موقوفا على نزول جبرائيل برسالة من الله، كما أنه غير خاص بالأنبياء وإنما يمكن حدوثه لغيرهم مثل ما كان لمريم بنت عمران (عليها السلام) قال تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علىٰ نساء العالمين) وقال تعالى: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمٰن منك إن كنت تقيا * قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا)، وكذلك أم موسى (عليه السلام) قال تعالى: (وأوحينا إلىٰ أم موسىٰ أن أرضعيه ۖ فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني ۖ إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) وهذا النوع من الوحي متحقق للأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ففي رواية الإمام الصادق (عليه السلام) عن الحارث بن المغيرة النضري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما علم عالمكم؟ جملة يقذف في قلبه أو ينكت في أذنه؟ قال: فقال: وحي كوحي أم موسى) (بحار الأنوار، ج26، ص58)، وعن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الأرض لا تترك بغير عالم، قلت: الذي يعلم عالمكم ما هو؟ قال: وراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن علي بن أبي طالب علم يستغنى به عن الناس ولا يستغني الناس عنه، قلت: وحكمة يقذف في صدره أو ينكت في أذنه؟ قال: ذاك وذاك) (بحار الأنوار، ج26، ص62). 

ولا مانع أيضا أن يكون الملك الذي يأتيهم بأخبار السماء هو جبرائيل طالما لم يكن من سنخ أخبار النبي (صلى الله عليه وآله)، وهناك بعض الروايات التي تؤكد أن جبرائيل أخبر السيدة الزهراء (سلام الله عليها) ببعض الأمور الغيبية، ففي صحيحة أبي عبيدة، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام). (الكافي ج1، ص 241)