مطّلع على نوايا الإنسان.. هل يعلم ’الشيطان’ الغيب؟!

لا يخفى أنّ إطلاق عالم الغيب بمعنى العلم من غير تعليم واستفادة منحصرٌ بالله تعالى، روى الشيخ الصفّار في [بصائر الدرجات ص335]، والشيخ الكلينيّ في [الكافي ج1 ص257] عن عمّار الساباطيّ، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام يعلم الغيب؟ فقال: لا، ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك»، وورد في [نهج البلاغة ج2 ص11]: «فقال له بعض أصحابه: لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك (عليه السلام) وقال للرجل ـ وكان كلبياً ـ: يا أخا كلب، ليس هو بعلم غيب، وإنّما هو تعلّم من ذي علم».

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ولا يخفى أنّ (علم الغيب) بهذا المعنى لا يصحّ إسناده لغير الله تبارك وتعالى؛ لأنّ المخلوق فقير محتاج إلى الله سبحانه وتعالى في كلّ شيء، وإنّما يعلم بما يبلغ سمعه وبصره وعقله بما أودعه الله فيه من القوى التي توهّله لتلقي ما يصل لسمعه وبصره، ولو سلب الله منه هذه القوى فلن يكون مؤهلاً للتعلّم.

وأمّا الغيب بمعنى ما استتر وتوارى، وهي ضدّ الشهادة والحضور والظهور، فما لا تناله الحواس الظاهرة والباطنة هي غيب، وما تناله وتدركه هي شهادة، مثلاً: الأحداث التي حصلت في الزمان الماضي تُعدّ غيباً بالنسبة لنا مع أنّها كانت شهادة بالنسبة لمَن شهدها وحضرها وعايشها، يقول الله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) [آل عمران: 44]، فحادثة اجتماع بني إسرائيل لتكفّل السيّدة مريم (عليها السلام) هي غيبٌ بالنسبة لنا، مع أنّها شهادة بالنسبة لهم.

إذن: كون الشيء غيباً يدور مدار عدم حضوره عند مَن يُسند إليه العلم به، فما غاب عنّي فهو غيب بالنسبة لي وإن كان شهادة بالنسبة لك، وما غاب عنك فهو غيب بالنسبة إليك وإن كان شهادة لي، فرُبّ غيبٍ لشخص شهادةٌ لغيره. ومن الواضح أنّ علم الغيب بهذا المعنى يجوز إسناده للمخلوق.

وحينئذ يظهر: أنّ إطلاع الشيطان على خواطر الإنسان ونياته يعد اطلاعاً على ما يدركه بقوته وسلطنته ويشاهده ويحضره، فهذه تعدّ شهادة بالنسبة له وإن كانت غيباً بالنسبة لغيره، كما أنّ الملائكة تتطلع على النيات والخواطر ويكتبوها، واطلاعهم ليس على شيء غائب عنهم بل على شيء حاضر عندهم وإن كانت تعدّ غيباً بالنسبة لغيرهم.