الهبوط من الجنة: ما هي المعصية التي ارتكبها آدم؟!

المكانة التي ذكرها القرآن لآدم سامية ورفيعة، فهو خليفة الله في الأرض ومعلم الملائكة، وعلى درجة كبيرة من التقوى والمعرفة، وهو الذي سجدت له ملائكة الله المقربين. ومن المؤكد أن آدم هذا لا يصدر عنه ذنب، إضافة إلى أنه كان نبيّا، والنّبي معصوم.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

من هنا يطرح سؤال عن نوع العمل الذي صدر عن آدم. وتوجد لذلك ثلاثة تفسيرات يكمل بعضها الآخر. 

١ ـ ما ارتكبه آدم كان «تركا للأولى» أو بعبارة اخرى كان «ذنبا نسبيا»، ولم يكن «ذنبا مطلقا».

الذنب المطلق، وهو الذنب الذي يستحق مرتكبه العقاب أيا كان، مثل الشرك والكفر والظلم والعدوان. والذنب النسبي هو الذي لا يليق بمرتكبه أن يفعله لعلوّ منزلة ذلك الشخص، وإن كان ارتكابه مباحا، بل مستحبا أحيانا من قبل الأفراد العاديين. على سبيل المثال، نحن نؤدي الصلاة بحضور القلب تارة، وبعدم حضور القلب تارة اخرى. وهذه الصلاة تتناسب وشأننا، لكن مثل هذه الصلاة لا تليق بأفراد عظام مثل رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم. صلاة الرّسول ينبغي أن تكون بأجمعها اتصالا عميقا بالله تعالى، وإن فعل الرّسول غير ذلك فلا يعني أنه ارتكب محرّما، بل يعني أنه ترك الاولى.

وآدم كان يليق به أن لا يأكل من تلك الشجرة، وإن كان الأكل منها غير محرّم بل «مكروها».

٢ ـ نهي الله لآدم إرشادي، مثل قول الطبيب: لا تأكل الطعام الفلاني فتمرض. والله سبحانه قال لآدم : لا تقرب هذه الشجرة فتخرج من الجنّة. وآدم في أكله من الشجرة خالف نهيا إرشاديا.

٣ ـ الجنّة التي مكث فيها آدم لم تكن محلا للتكليف، بل كانت دورة اختبارية وتمهيدية لآدم كي يهبط بعدها إلى الأرض. وكان النهي ذا طابع اختياري (١).

إن أكبر مفاخر آدم وأعظم نقاط قوته التي جعلته زبدة الكون ومسجود الملائكة هي ـ كما يظهر من الآيات ـ تعليمه الأسماء واطلاعه على حقائق الكون وأسراره.

واضح أن آدم خلق لهذه العلوم، وأبناء آدم ـ إن أرادوا التكامل ـ عليهم أن يستزيدوا من هذه العلوم، وتكاملهم يتناسب مرادفا مع معلوماتهم عن أسرار الخليفة.

نعم، القرآن يصرّح بأن عظمة آدم تكمن في هذه النقطة. ولكن التوراة تذهب إلى أن سبب خروج آدم من الجنّة وخطيئته الكبرى هو اتجاهه نحو العلم ومعرفة الصالح والطالح! جاء في الفصل الثاني من «سفر التكوين» من التوراة: «وأخذ الرّبّ الإله آدم ووضعه في جنّة عدن ليعلمها ويحفظها. وأوصى الرّب الإله آدم قائلا من جميع شجر الجنّة تأكل آكلا. وأمّا شجرة معرفة الخير والشّرّ فلا تأكل منها. لأنّك يوم تأكل منها موتا تموت».

وجاء في الفصل الثالث من التوراة: «وسمعا صوت الرّبّ الإله ماشيا في الجنّة عند هبوب ريح النّهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرّبّ الإله في وسط شجر الجنّة. فنادى الرّبّ الإله آدم وقال له أين أنت. فقال سمعت صوتك في الجنّة فخشيت لأنّي عريان فاختبأت. فقال من أعلمك أنّك عريان. هل أكلت من الشّجرة الّتي أوصيتك أن لا تأكل منها. فقال آدم : المرأة الّتي جعلتها معي هي أعطتني من الشّجرة فأكلت ....

وقال الرّبّ الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفا الخير والشّر، والآن لعلّه يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحيوة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرّبّ الإله من جنّة عدن ليعمل الأرض الّتي أخذ منها. فطرد الإنسان وأقام شرقيّ جنّة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلّب لحراسة طريق شجرة الحيوة»!!

من هذه «الأسطورة التافهة»، التي تعرضها التوراة الحالية باعتبارها واقعا تاريخيا يتبين لنا رأي التوراة الحالية في سبب خروج آدم من الجنّة، فهو على رأي هذه الأسطورة معرفة آدم بالخير والشر، وذنبه الأكبر هو الاتجاه نحو العلم والمعرفة!!

 وإن لم يمدّ آدم يده إلى «شجرة الخير والشّر» لبقي جاهلا حتى بقبح التعرّي، ولما أخرج من الجنّة، بل كان فيها خالدا.

فيا عجبا، لم إذا حزن آدم على خروجه من الجنّة إذا كان خروجه قد اقترن باكتسابه العلم والمعرفة وبتمييزه بين الخير والشر، إنها صفقة رابحة تلك التي حصل عليها آدم، فلما ذا ندم عليها؟! ويتضح من ذلك أنّ أسطورة التوراة تقع في النقطة المقابلة للاتجاه القرآني الذي يرى أن مكانة الإنسان ومقامه وسرّ خلقته تكمن في «تعليمه الأسماء».

أضف إلى ما سبق أن هذه الأسطورة تتضمّن مفاهيم مشينة مخجلة بشأن الله سبحانه وبشأن المخلوقات، كل واحدة منها تثير الدهشة أكثر من غيرها، وهي عبارة عن:

١ ـ نسبة الكذب إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا (كما جاء في الجملة ١٧ من الاصحاح الثاني : أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت)!

 ٢ ـ نسبة البخل إلى الله سبحانه (كما جاء في الجملة ٢٢ من الاصحاح الثالث:وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر. والآن لعله يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد)!

٣ ـ إمكان وجود الشريك لله تعالى (كما في العبارة السابقة : قد صار كواحد منا).

٤ ـ نسبة الحسد إلى الله (ويستفاد ذلك من العبارة السابقة أيضا).

٥ ـ تجسيم الله سبحانه (... وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنّة عند هبوب ريح النهار)!

 ٦ ـ نسبة الجهل إلى الله بالحوادث التي تقع قريبا منه (كما تقول هذه التوراة : فاختبأ آدم وامرأته من وجه الربّ الإله في وسط شجر الجنّة. فنادى الرب الإله آدم وقال له : أين أنت؟!)

 (ولا بدّ من التأكيد هنا أن هذه الخرافة لم تكن في التوراة المنزلة، بل أضيفت فيما أضيف إلى التوراة).

*آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – مرجع ديني

الهوامش: 

(١) لمزيد من التوضيح في هذا المجال، راجع المجلد الرابع من هذا التّفسير، ذيل الآيات (١٩ ـ ٢٢) من سورة الأعراف، والمجلد العاشر ذيل الآية (١٢١) من سورة طه.