حب النساء كمال: لماذا يتزوج المعصوم (ع) بأكثر من امرأة؟!

هل كثرة زواج المعصوم (عليه السلام) تدلّ على أنّه شهوانيّ، وبالتالي لا يصلح أن يكون قدوة للآخرين؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

أوّلاً: ينبغي التفريق بين تعدّد الزوجات، وبين كثرة الزوجات، فإنّ تعدّد الزوجات لا يعني بالضرورة الكثرة، فإنّ التعدّد يصدق على الزوجتين فصاعداً، بينما الكثرة يصدق على الثلاثة فصاعداً.

والأئمّة المعصومون (عليهم السلام) وإن كان بعضُهم قد تزوّج بأكثر من زوجة في بعض مراحل عمرهم حسب ما اقتضه ظروفهم، إلّا أنّه لم يصل إلى حدّ الكثرة. فالنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ـ مثلاً ـ لم يتزوّج في حياة السيّدة خديجة (رضوان الله عليها) بزوجة أخرى، وهي فترة امتدّت لخمس وعشرين سنة تقريباً، وأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يتزوّج في حياة السيّدة الزهراء (عليها السلام) بزوجة أخرى، وهي فترة امتدّت لخمس سنوات تقريباً. وليس من الواضح أنّ جميعَ الأئمّة (عليهم السلام) عدّدوا الزوجات، بأن تزوّجوا اثنتين أو ثلاث أو أربع، فهذا شيء يحتاج لسبر تاريخيّ دقيق، وليس من السهل إثباته.

ثمّ إنّ تعدّد الزوجات في أيّام زمانهم كانت ظاهرة طبيعيّة، وحالة عامّة، ليس بها نقيصة ولا استهجان، ومن المعلوم أنّه لا يمكن أن ندرس مثل هذه الظاهرة دون دراسة ظروفها المحيطة بها وملابساتها التي تكتنفها، فلا بدّ أن نلاحظ الزمان والمكان والظروف ونحوها ممّا لها دخالة في الحكم على أنّها حالة طبيعيّة أو لا، فلا يمكن أن ندرس الحالة بتلك الحقبة على أساس الظروف التي نعيشها الآن.

ثمّ إنّ التعدّد ليس ملازماً للكثرة كما ذكرنا سابقاً، فضلاً عن الكثرة الخارجة عن الحدّ المألوف في تلك الحقبة الزمنيّة. وما يُذكر في بعض كتب التاريخ والسيرة من أرقام لعدد زوجات بعض الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ـ مع عدم ثبوت بعضها ـ هي أعمّ من الزوجات وأمّهات الأولاد، وأعمّ من الزوجات اللاتي بقين على عصمة الزوجيّة إلى زمان شهادة المعصوم (عليه السلام) واللاتي بُنّ عن الزوجيّة بالطلاق أو الموت.

ثانياً: ذكرنا في جوابٍ سابق: أنّ طبيعةَ الإنسانِ مُركّبةٌ مِن قوىً عديدةٍ، منها قوّةُ الشّهوةِ، فيميلُ الرّجالُ للنّساءِ والنّساءُ للرّجالِ، والنبيّ الأكرمُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وإنْ كانَ نبيّاً ورسولاً ويُوحى إليهِ فإنّه بشرٌ، قالَ اللهُ تعالى: {قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثلُكُم يُوحَىٰ إِلَيَّ} [سورة الكهفُ: 110]، فالجنبةُ البشريّةُ ليسَت منفيّةً عنِ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله).

ومنَ المعلومِ أنّ حبَّ الرّجلِ للنّساءِ كمالٌ يُمتدَحُ عليه الرّجلُ عندَ أصحابِ الفِطرِ السّليمةِ والطّباعِ المُعتدلةِ، فلا مجالَ لأن يكونَ ذلكَ نقصاً، بلِ النّقصُ في عدمِ حبّ الرّجلِ للنّساءِ وعدمِ ميلِه لهنَّ ـ لأنّهُ خلافُ الطبيعةِ التي جُبلَ عليها ـ، والنبيّ الأكرمُ رغمَ إشتغالِه بالعبادةِ والهدايةِ والإرشادِ كانَ يُراعي حقوقَ نسائِه وجانبَه البشريَّ، وهذا يدلُّ على اعتدالِ مزاجِه وتكاملِ قوّتِه الجسديّةِ والنفسيّة. 

ثمّ لا يصحّ التّعبيرُ عَن ذلكَ بكلمةِ «الشهوانيّ»؛ لأنّها تعني شدّة الرغبة في الملذّات الماديّة الدنيويّة، وطبيعةَ هذهِ الكلمةِ فيها شائبةُ تنقيصٍ؛ باعتبارِ أنّها توحي بطغيانِ جانبِ الشّهوةِ على جانبِ التعقّلِ، وبعدمِ اتّزانِ القوى لدى صاحبِها، ومنَ الواضحِ أنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) وإنْ كانَ مُحبّاً للنّساءِ فقد كانَ أعقلَ النّاسِ وأعبدَ النّاسِ وأزهدَ النّاس، وبهذا يظهرُ أنّه لا يصحُّ توصيفهُ بذلكَ لأنّ الكلمةَ تحملُ طابعَ التّنقيصِ مِن جانبهِ الأقدسِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله). والكلام نفسه يجري بالنسبة للأئمّة المعصومين (عليهم السلام).

وقد ذكر المحقّق النراقيّ في [جامع السعادات ج2 ص250] وجهاً لطيفاً بقوله: « ولا تغرّنك كثرة نكاح رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنّه كان لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا، وكان استغراقه في حبّ الله بحيث يخشى احتراق قلبه والسراية منه إلى قالبه، فكان (صلى الله عليه وآله) يكثر من النسوان، ويشغل نفسه الشريفة بهنّ، ليبقى له نوع التفات إلى الدنيا، ولا يؤدّي به كثرة الاستغراق إلى مفارقة الروح عن البدن... ثمّ لمّا كانت جبلته الأنس بالله، وكان أنسه بالخلق عارضاً يتكلّفه رفقاً ببدنه، فإذا طالت مجالسته معهم لم يطق الصبر معهم وضاق صدره، فيقول: (أرحنا يا بلال)، حتّى يعود إلى ما هو قرّة عينه، فالضعيف إذا لاحظ أحواله فهو معذور؛ لأن الأفهام تقصر عن الوقوف على أسرار أفعاله ».