سروش: عقيدة المهدي تتعارض مع ختم النبوة!!

يعتبر الباحث والاكاديمي الإيراني عبد الكريم سروش من ابرز الكتاب الإيرانيين المتأثرين بمقالات علم الكلام الجديد واللاهوت المسيحي والتي حاول عكسها على مسائل كلامية إسلامية، منها النقد الذي وجهه قبل سنوات حول مسائل الإمام المهدي، وكون الاعتقاد به يجرد مفهوم خاتمية النبوة من معناه، ويفقده الفائدة المتوخاة منه وهي اعتماد البشر على انفسهم، فيعزو سبب ختم النبوات الى وصول البشر الى مرحلة النضج والتحرر، والقدرة على تنظيم حياتهم من دون الرجوع الى الوحي، وان الاعتقاد بوجود مهدي له نفس خصائص الرسول يتنافى مع هذا الغرض، فتراه يؤيد كلام اقبال اللاهوري حول مسألة الخاتمية حيث يقول: "اننا اذا قدسنا التاريخ، وقلنا بوجود مهدي يحمل صفات النبي، فإننا سنحرم من فوائد الخاتمية؛ لأن فلسفة الخاتمية تهدف الى بلوغ الإنسانية مرحلة التحرر، وأننا بقولنا بوجود مهدي يأتي في آخر الزمان يحمل مواصفات النبي نكون قد نقضنا ذلك التحرر".

من هنا يرى سروش ان على الشيعة ان يحلوا معضلة الجمع بين المهدوية وفكرة التحرر والديمقراطية. فيقول: "ان اقبال اللاهوري ذهب الى ان ظهور العقل الاستقرائي التجريبي كبح الاعتماد على الغريزة (الوحي)، وعقمت حركة التاريخ عن ان تتمخض عن الانبياء، ولذلك تم الاعلان عن ختم النبوات، وعاد من الخطأ انتظار ولي سماوي؛ ليكون مصدراً جديداً للمعرفة وبناء تفكير جديد. ان اعلان ختم النبوات كان بداية اطلاق سراح العقل الانساني، لينطلق بتفكيره الى الأمام، مستضيئاً بنور عقله" ([1]).

والسبب الرئيس في التنافي بين الاعتقاد بالإمام المهدي وفكرة الخاتمية هي القول بحجية كلام أهل البيت عليهم السلام الذي جعل منهم بمنزلة النبي صلى الله عليه وآله فإذا فقد النبي لم ينتفي خبر السماء بالمطلق وان توقف الوحي لاعتقاد الشيعة بان الإمام تحدثه الملائكة.

 فيقول سروش: "ان مصادر الأحاديث عند الشيعة غير محدودة بما روي عن النبي، فلديهم مصادر ترقى الى رتبة النبي، بمعنى انهم اذا سمعوا حديثاً عن الإمام الحسين، وعن الإمام علي، وعن الإمام جعفر لصادق، وعن الإمام الباقر، فهذا يعني ان النبي هو الذي قالها. ان الإمام الصادق وسائر الأئمة عند الشيعة ليسوا من الفقهاء، وإنما يقولون هم حكم الله، ... وطبعا لا يقول الشيعة بأن ائمتهم محل لنزول الوحي، ولكنهم يستخدمون تعبيراً آخر، حيث يقولون: انهم محدثون، وأنه يتم ايصال الحقائق اليهم بنحو من الأنحاء، وذلك كي يميزوهم عن النبي، مع اعطائهم نفس شأن النبي، فيثبتون لهم العصمة مثل النبي تماماً، وإن كلامهم مساو لكلام النبي والقرآن،.. وذلك لأنهم يحملون الولاية الإلهية"([2]).

وقد اثار كلام سروش السابق ردوداً كثيرة من العلماء، ونحن قبل ان ننقل شطراً منها، نود ان نشير الى الملاحظات التالية:

كلامهم أم كلام النبي؟!

لا يخفى على القارئ النبيه ما في كلامه من خلط، فالشيعة لا تعتقد أن ائمة أهل البيت عليهم السلام يمتلكون صلاحية التشريع بل هو منحصر بشخص النبي صلى الله عليه وآله، وما هم إلا نقلة لعلمه، ومبينين لشرعه، فاحاديثهم هي عبارة عن رواية عن النبي، كما روى ثقة الاسلام (الكليني) عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا ابا عبد الله عليه السلام يقول: "حديثي حديث أبي، وحديث ابي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن: وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عزو جل"([3])، وفي أمالي الشيخ المفيد عن جابر قال قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: إذا حدثتني بحديث فأسنده لي. فقال: "حدثني أبي عن جدي عن رسول الله عن جبرئيل عن الله عز وجل وكل ما أحدثك بهذا الإسناد. وقال يا جابر لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا و ما فيها"([4])، وما رواه علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، عن حفص بن البختري قال: "قلت للإمام الصادق  نسمع الحديث منك فلا ادري منك سماعه او من ابيك؟ فقال: ماسمعته مني فأروه عن أبي، وما سمعته مني فاروه عن رسول الله". ([5]) ، وروى الصفار عن الإمام ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: "قلت له كل شيء تقول به في كتاب الله وسنته او تقولون فيه برأيكم؟ قال 8: بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنة نبيه" ([6]).

ونختم بقول الإمام الباقر عليه السلام حيث قال: "يا جابر إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله 9 كما يكنز هؤلاء ذهبهم وورقهم"([7]).

لذا يقول الشيخ جعفر سبحاني في معرض رده على سروش: " ان القرآن قد اخبرنا عن إكمال الدين بنزول جميع المسائل المتعلقة به على قلب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لكنه يرى ان بعض المشاكل والعراقيل قد حالت خلال حياة النبي من بيان بعض الأصول والأحكام العملية، فلذلك عمد الله على استئمان جماعة على ما لم يستطع النبي بيانه وتوضيحه([8]). هذه الجماعة هم أهل بيت النبي الذين هم أحد الثقلين بحسب حديث الرسول: "إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي"([9]).

مصادر علوم أهل البيت (عليهم السلام)

لكن ماهي مصادر علوم أهل البيت ومعارفهم؟ وكيف يشرحون الأحكام والتكاليف التي لم ترد في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وآله؟ يقول الشيخ السبحاني: "إن هذه هي الشبهة التي يؤكد عليها سروش، وإن التعرض الذي تصوره بين ختم النبوة وبين المرجعية العلمية للأئمة المعصومين يدل على أنه لم يلاحظ المصادر العلمية التي يستندون عليها وهي:

اولاً: الرواية عن رسول الله فالأئمة يأخذون الأحاديث عن رسول الله إما مباشرة او من طريق آبائهم وينقلونها الى الآخرين. وهي أحاديث موجودة في المصادر الحديثية المعتمدة عند الشيعة والمسنودة بسند متصل الى الرسول.

ثانياً: النقل من كتاب الإمام علي  الذي كان مصاحباً للرسول إذ كان هذا الكتاب من إملاء النبي صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام ، وقد توارثها الأئمة عليهم السلام([10]).

ثالثاً: الاستنباط من الكتاب والسنة. بمعنى أخذ الحكم منهما، لا على نحو الاجتهاد عند الفقهاء.

رابعاً: الإلهام الإلهي وهو ليس مختصاً بالأنبياء، بل ألهم الله اشخاصاً كالخضر صاحب النبي موسى عليه السلام، وهو يعرف بالعلم اللدني".([11]).

 

([1] )  الكلام في الأصل كان محاضرة لسروش في حشد من الجامعيين الايرانيين في جامعة السوربون في باريس عام 2005، مسألة العلاقة بين خاتمية النبوة والإمامة المهدوية، وقد نشرت مفصلة في العدد 21، من مجلة نصوص معاصرة.

([2] ) نفس المصدر.

([3] ) الكافي: ج1، ص 53. وسائل الشيعة: ج18، باب8 من ابواب صفات القاضي: حديث رقم: 26.

([4] ) الأمالي للمفيد ص : 43المجلس السادس.

([5] ) وسائل الشيعة: ج18، باب8 من ابواب صفات القاضي: حديث رقم: 67. عن مجالس المفيد.

([6] ) بصائر الدرجات: ج6، باب 15، ص301، حديث رقم: 1.

([7] ) بصائر الدرجات: ج6، باب 15، ص301، حديث رقم: 1.

([8] )  بحار الأنوار: ج26، ص28 عن الاختصاص.

([9] ) مجلة نصوص معاصرة: العدد 21.

([10] ) روى الشيخ الطوسي في أماليه: ص441 عن أبي الطفيل، عن[ محمد بن علي الباقر، عن آبائه )عليهم السلام(، قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام اكتب ما أملي عليك. قال يا نبي الله أ تخاف علي النسيان قال لست أخاف عليك النسيان، و قد دعوت الله لك يحفظك و لا ينسيك، و لكن اكتب لشركائك. قلت و من شركائي يا نبي الله قال الأئمة من ولدك، بهم تسقى أمتي الغيث، و بهم يستجاب دعاؤهم، و بهم يصرف الله عنهم البلاء، و بهم تنزل الرحمة من السماء، و أومأ إلى الحسن عليه السلام و قال هذا أولهم، و أومأ إلى الحسين عليه السلام و قال الأئمة من ولده.

([11] ) مجلة نصوص معاصرة: العدد 21.