المرض الهدّام: هل نتأثر مادياً بـ «الحسد»؟

الجواب عن هذا السؤال سيتّضح بعد أنْ نعرف حقيقة الحسد، فنقول: إنّ معنى الحسد هو تمني زوال النعمة عن شخص ما مع تمني تحولها إليه أو مجرد سلبها منه، أو تمني أن تكون النعمة له دون غيره.[ينظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهانيّ، ولسان العرب لابن منظور، مادة حسد، وغيرهما].

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

والحسد حالة نفسية وصفة سيئة ورذيلة خطيرة جداً وداء دوي، وصفة من صفات المنافقين، وليست من صفات المؤمنين، ولا بُدَّ لمن ابتلي بهذا المرض الهدام أن يعالج نفسه سريعاً قبل أن يخسر دنياه وآخرته.

وفي الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: "... وَلَا تَتَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ‏ الْإِيمَانَ‏ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ الْيَابِسَ"[ قرب الإسناد للحميري: 29].

ثم إن الحسد لا يتوقف في الغالب عند حد معين بل يتنامى فيكون سبب لكثير من الرذائل و المعاصي كالحقد و الكذب والغيبة والمكر وغيرها وقد يوصل الحاسد إلى ارتكاب القتل كما حصل لقابيل نتيجة لحسده أخيه هابيل.

رُوِيَ عن الامام الحسن المجتبى عليه السلام أنهُ قَالَ: "هَلَاكُ النَّاسِ فِي ثَلَاثٍ: الْكِبْرِ وَ الْحِرْصِ وَ الْحَسَدِ، فَالْكِبْرُ هَلَاكُ الدِّينِ وَ بِهِ لُعِنَ إِبْلِيسُ، وَ الْحِرْصُ عَدُوُّ النَّفْسِ وَ بِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَ الْحَسَدُ رَائِدُ السُّوءِ وَ مِنْهُ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ"[بحار الأنوار للمجلسيّ ج75/ص111].

ولخطورة الحسد و أثاره السيئة أمر الله عَزَّ و جَلَّ رسوله المصطفى صلى الله عليه و آله أن يتعوذ من شر الحاسد لأن مقاصد الحاسد خطيرة، إذْ قال في سورة الفلق: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ).

أما الحسد بمعنى إصابة العين ونظرات الحاسد وتأثيراتها على المحسود فممّا لا شكّ فيه، إذْ يؤثر الحاسد في المحسود تأثيرًا نفسيًا أو معنويًا أو ماديًا.. مثل المرض، أو الموت، أو التلف… وما إلى ذلك من ضروب التأثير المادي. أعاذنا الله جميعاً منها. وبعض التأثيرات الماديّة كالمرض مثلاً يمكن تشخيصه خصوصاً إذا كان المحسود  مثلاً: في يوم من الأيام ليس فيه شيء، ولديه كل النشاط والهمّة، ولكنْ بعد ساعات قليلة أو يمرُّ عليه يوم آخر تنقلب حياته رأساً على عقب، فيشعر من تلقاء نفسه أنّه غير مرتاح ولديه تعب وإرهاق، فيذهب إلى الطبيب ويفحص نفسه فحصاً دقيقاً فيقول له الطبيب ليس فيك شيء، هذه مجرد وساوس وقلق نفسي، ولكنّ هذه الحالة تستمر معه، ولكنّه بعد ذلك بمجرد أنْ يتذكّر أنّه دخل إلى مكان معيّن فرأى شخصاً أو أشخاصاً ينظرون إليه بنظرة غريبة يشعر بها في وقتها أنّها نظرة حسد، وتشخيص هذه الحالة هو من يقدّرها من خلال ذلك اللقاء. بعد أنْ يتذكّرها بتفاصيلها وحيثياتها.

أما طرق الوقاية من الحسد، فلقد أرشدتنا إلى ذلك الروايات الوارد عن النبيّ (ص) وآله الأطهار، نذكر منها:

إنّ جبرئيل (عليه السلام) رقى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلمه هذه الرقية للعين: " بسم الله أرقيك، من كل عين حاسد، الله يشفيك" .[بحار الأنوار ج60/ص9].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا تهيأ أحدكم بهيئة تعجبه فليقرأ حين يخرج من بيته المعوذتين، فإنه لا يضره شيء بإذن الله تعالى.[طب الأئمة للسيد عبدالله شبر، ص226].

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) من رأى شيئا يعجبه فقال: " الله الله ما شاء الله، لا قوة إلا بالله" . لم يضره شيء. [بحار الأنوار ج92/ص135].

وعن الإمام الحسن (عليه السلام): أن دواء الإصابة بالعين أن يقرأ (( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا )). [بحار الأنوار ج110/ص305].

وأمّا طرق معالجة الحسد، فأيضاً أرشدتنا الأحاديث والروايات المأثورة عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله وعن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام الى كيفية علاج الحسد، وها نحن نذكرها باختصار.

1- قال رسول الله صلى الله عليه و آله : "إذا حسدت فاستغفر اللَّه". [ نهج الفصاحة: 416.].

2. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ:‏ "أَلَا إِنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ هُوَ الْحَسَدُ، لَيْسَ بِحَالِقِ الشَّعْرِ لَكِنَّهُ حَالِقُ الدِّينِ، وَ يُنْجِي‏ مِنْهُ‏ أَنْ يَكُفَّ الْإِنْسَانُ يَدَهُ، وَ يَخْزُنَ لِسَانَهُ، وَ لَا يَكُونَ ذَا غَمْزٍ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ". [ الأمالي للشيخ المفيد: 344].

3. ترك التطلع الى أحوال من حوله من الاقرباء والاصدقاء ومراقبتهم لتجنب إثارة الدوافع الكامنة في النفس نحو الحسد، فمن راقب الناس مات هماً.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: ابن عمران لا تحسدنّ الناس على ما اتيتهم من فضلي، و لا تمدّنّ عينيك إلى ذلك و لا تتبعه نفسك..."‏[ الكافي : 2 / 307].

4. القناعة بما رزقه الله تعالى والرضى بما قسمه له.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: "... إنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، و من يك كذلك فلست منه و ليس منّي"‏[ الكافي : 2 / 307].

5. العمل ضد ما تملي عليه النفس الامارة بالسوء من القيام بأعمال ضد المحسود، فبدلاً من ذلك فعلى من يريد اصلاح النفس و معالجة الحسد أن يتمنى للمحسود دوام النعمة و الخير و يقابله بالاحترام و الاحسان حتى تخمد نيران الحسد و يموت.