أهل الحوزة والعمايم والعتبات: من يقف وراء حملات التسقيط؟!

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لـ «موقع الأئمة الاثني عشر».

أتذكر كلمة حكيمة، لأحد المستبصرين يقول فيها: عندما كنا وهابية، لم يكن مشايخنا يصرحون ببغضهم للامام علي، بل كانوا يظهرون احترامه كأحد الصحابة، ولكنهم كانوا يلزموننا بدراسة كتاب (منهاج السنة) لشيخ الإسلام ابن تيمية.

 بدانا بدراسة هذا الكتاب في ضمن حلقات علمية، ونحن نحب الامام علي، ولكن ما أن فرغنا من دراسته للنهاية حتى أصبح الامام علي من أبغض الناس إلينا ولا نطيق سماع اسمه.

 كان شيخ الإسلام لا يترك مناسبة يمر فيها ذكر علي عليه السلام دون أن ينبزه نبزاً خفيفاً.

فحتى عندما يمر على قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) كان يقول -بضربة خاطفة لا ينتبه لها البسطاء- (إن علي بن أبي طالب لم يكن له ذلك الود) وهو بذلك يسلب منه الايمان لأن الله جعل الود للمؤمنين.

هكذا هو العمل التدريجي، فابن تيميه على مدى ثمانية أجزاء من الكتاب، كان يحقن ذهن القارئ ببعض الجرعات الخفيفة، وبالتدريج، يبدأ بناء هذا الحاجز النفسي، لبنة لبنة، في كل مناسبة يجد فيها فرصة للانتقاص من علي عليه السلام، حتى ينتهي القارئ من الكتاب، وهو يرى أن علي هو أسوأ من عاصر النبي صلى الله عليه واله وكان مصدر إزعاج ومشاكل للصحابة والمسلمين الحقيقيين.

 والان، نجد أن هناك من يمارس ذات الأسلوب في التعامل مع طلاب حوزة علي عليه السلام.

لا أريد القول إن كل ما يقال من نقد للحوزة و (العمائم) من صنع الوهابية فالكثير منه نتاج التسقيط السياسي من جماعات محسوبة على التشيع من الأسف الشديد.. والكثير منه كذلك نتاج تطفل بعض الأشخاص وجرأتهم على التلبس بالزي الديني، ولكن لا يمكن أن يكون الوهابية أبرياء بالمطلق أيضاً.

 بكل الأحوال وبغض النظر عن المصدر سواء كان الوهابية ام الاحزاب ام الدجالين، فأنت ترى هذه الأيام ضغط شديد على كل جهة تمثل الدين والحوزة والعتبات وووو

وهل لاحظت أن التهم متعددة الأشكال، لتكون لها مردودات نفسية متعددة أيضاً؟؟

دعني أجمع لك بعض أجزاء الصورة لتراها بوضوح:

 تهمة بالعمالة للأمريكان + الرشوة + تمكين الأبناء والأصهار من اللعب بالحقوق الشرعية + أمور كثيرة.. هذه كلها كانت حصة زعيم الطائفة السيد السيستاني دام ظله (ولاحظ التنوع في التهم حتى تستوعب أكبر عدد من مزاجات الناس).

 ربما أصبح من الصعب اتهام الرجل شخصيا، جيد لنفكر بـ (تقليم أجنحته) من خلال استهداف من حوله، فكانت حصة السيد (المبتلى) محمد رضا السيستاني، ووكلائه الشيخ الكربلائي والسيد الصافي، حصة الأسد.

 هذا ليس كافياً، لنستمر:

نزار حبل المتين، -أمين عام العتبة العلوية السابق- (تهمة قتل) لأحد المنتسبين من خلال ابن أخيه، والمصدر؟؟ مجهول.

 رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد علاء الموسوي (تهمة تستر على تحرش جنسي) في الديوان، والمصدر؟؟ مجهول.

 أي فقير نائم بالشارع في النجف، يتم تصويره وينشر بعنوان (في مدينة الامام علي وعلى مقربة من أهل العمائم هكذا يعيش الفقراء) وتبدأ ردود الأفعال المتوقعة: ماذا صنعت الحوزة للتخفيف من هذه الظاهرة؟ وماهي حقيقة أوضاع هؤلاء الفقراء ؟؟ لا أحد يسأل، لأنه تم سوقه بشكل انفعالي.

والنتيجة: أن الشاب الذي يعيش في هذه الأجواء لفترة، وخصوصاً إذا لم يكن لديه احتكاك ببعض الطلبة الواعين والجيدين، ويجهل تماماً كيف تدار الحوزة العلمية فكرياً ومالياً واجتماعيا، فلا نتوقع منه سوى نظرة سوداوية متشائمة للحوزة، وأنها خلية سرية تدار بالمؤامرات والصفقات!!!

ومن هنا تعرف لماذا يسهل على بعض الشباب إطلاق أوصاف تعبر عما في داخله من التأثر النفسي (كهنة المعبد).. (مافيات الخمس).. (السراق بسم الله).. الخ.

 الان دعونا نسأل، ما هو الهدف من كل ذلك:

1. قادة هذه الحملات، يعرفون جيداً أن حملاتهم لن تنتهي لضرب الحوزة مثلاً، أو سحل مشايخها في الشوارع، وهم يدركون أن للطلبة حضورهم ووجودهم الفعلي والقوي الذي لا يمكن الاستهانة به.

٢. وهم يعلمون أيضاً، أن رجال الدين أقوى منهم بكثير، بحضورهم في جبهات القتال بنفسهم، وكذلك حضورهم المعنوي واللوجستي، وجميع المقاتلين الذين وصلوا للسواتر يحبونهم، ويعرفون تضحياتهم، صحيح أن قادة هذه الحملات التسقيطية أقوى في العالم الافتراضي، ومنشوراتهم المروجة لا تتوقف مادام التوريج لا يكلف أكثر من 5$، ولكن الذي يحسم المعركة هو العالم الحقيقي، وليس الافتراضي.

٣. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا هذه الحملات والإصرار؟؟ الجواب هو:

- يكفي ان تبقى الحوزة في حالة ضغط وتوتر شديد - كما يتصورون - يريدونها مشغولة بالدفاع عن نفسها وإصدار بيانات متتالية في نفي الأخبار الكاذبة حتى تمل الناس منها ومن بياناتها.

- يكفي أن يصبح هناك ولو مستوى بسيط من النفور النفسي لدى الناس من أهل العمائم، وحتى لو لم يحاربهم المجتمع، يكفينا أنه ينفر منهم، لأن مشاريعهم الدينية إنما تنجح بالدعم الجماهيري، فإذا نفرت منهم الجماهير فهذا يكفي لتقييدهم بعض الشيء.

- يكفي أنك لا ترسل أولادك ليتعلموا في مساجدهم.

- يكفي أنك لا تحضر مجالسهم ومواكبهم، وتنعزل تدريجياً عنهم وعن كل حركتهم.

- يكفي أنك لاتنتبه لإنجازاتهم، بل تخجل - لو انتبهت - ان تذكرها وتدافع عنهم وتقول: كفى استخفافا بالحوزة التي قدمت عشرات الشهداء، وساعدت مئات آلاف الفقراء وعالجت وزوجت وبنت بيوت وووو ...

نعم لن تقول كفى، لأنك لا تتحمل الصداع الذي يسببه لك المعترضون على كلامك. وهم موجودون بكل تأكيد وسيتكاثرون عليك مثل الذباب.

- يكفي أن العتبة العباسية رغم انجازاتها، متهمة ولا تستطيع أن تدافع عنها، حتى بالأمس كان السيد الصافي يجلس بين (12000) طفل خريج من دورات دار القران الكريم في العتبة، ارجع لقراءة الرقم (12.000)!!! أليس المفروض أن يكون هذا الرقم مدعاة للاحتفال والابتهاج؟!!

ولكنك لن تحتفل، لأن هناك من سينغص عليك الاحتفال بترديد المحفوظة التي سمعها من صفحات الفيسبوك (المجهولة).

 

- يكفي أن العتبة الحسينية عندما تطبع مناهج الدراسة لأبناء هذا البلد، لا أحد يقول شكرا، لأن إدارة العتبة متهمة وفي نظر (المثقفين) شيطان رجيم.

 نعم، ها هو الحاجز النفسي يظهر في أوضح صوره سنة 2016، بينما تنزف الحوزة خيرة رجالها. وتبذل أقصى جهدها، وتبقى في نظر هؤلاء مقصرة مذنبة مجرمة!!

ثم يسأل بعد كل ذلك بعضنا (ما هو واجب الحوزة تجاه هذا الأمر)!!

كلا يا سادة، عالجوا أنفسكم أولاً، ولستم بحاجة للسؤال بعدها، لأنكم سترون كل شيء.

ملاحظة: تكررت كثيرة عبارة (نحن لانقصد الكل وانما السراق فقط) وللأسف من يكرر هذه العبارة لا يفهم كيف تمشي اللعبة، فإذا كان صوت المنتقد عالي، وصوت المدافع (والذي يفرق بين نموذجين) منخفض، فلن تسمع الناس -ولا احداث السن- شيئاً عن النموذج الجيد.

(كُتبت هذه المقالة بتاريخ: ٢٠١٦/٨/٢١)