فخ الاقتصاد النفطي: هل سيقاوم العراق أزمة اسعار النفط؟

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

العديد من الدول منحت هبة من الله بوجود كنز وفير في باطن اراضيها يمكنها استخدمه في تطوير بلدانها  من خلال عائداته المالية الهائلة، ومنذ بداية استخراجه (النفط) اصبح لاعباً مهماً واساسي في تطوير الحركة الصناعية والاقتصادية في العالم اجمع.

 بدأت اهمية النفط بالنمو مع نمو الحركة الصناعية العالمية وازاد الطلب على النفط وتكون سوق خاص له وشركات عملاقة تدير استخراجه ليتحول من مصدر للطاقة والاقتصاد الى سلاح اقتصادي وسياسي مهم تستخدمه الدول لمحاربة بعضها البعض.

ظهر هذا الامر واضح للدول العظمى خصوصاً بعد حرب تشرين عام 1973م وما صاحبها من ازمة رفع اسعار النفط العمالي وتأثير هذا الارتفاع على الاقتصاد العالمي وهنا زاد اهتمام الدول بالسيطرة على هذا المورد المهم  واسعاره كي لا تتكر هذا الازمة ولا يستخدم كسلاح ضدها يحد من حركتها منذ ذلك الحين تركزت الانظار على منطقة الشرق الاوسط كونها غنية بالنفط وفيها اكثر الاحتياطيات النفطية المكتشفة .

وعلى الرغم من ان النفط مصدر مهم وكبير للاقتصاد وجمع الاموال الضخمة الى ان التذبذب في اسعاره مشكلة تعاني منها الدول المنتجة للنفط فالأسعار اصبحت مرتبطة بالعرض والطلب واي مشكلة في الاقتصاد العالمي ستؤثر على الطلب وبالتالي ستخفض اسعار النفط ناهيك عن حدوث ازمة اقتصادية عالمية  كالتي حدثت عام 2008م  او ازمة الاقتصاد العالمي في ضل انتشار فايروس كورونا حاليا وما صاحبها من انهيار اسعار النفط حتى وصلت اسعار الخام الامريكي للسالب, هذا بالإضافة الى تلاعب الدول العظمى بالأسعار كما اسلفنا ليتلاءم مع مصالح هذه الدول. وهنالك عوامل اخرى ادت الى تقليل سيطرت الدول المنتجة للنفط على اسعاره هذه الدول التي تحاول اعادة السيطرة ليدها من خلال اجراءات مثل انشاء منظمة اوبك وهي منظمة الدول المنتجة للنفط, تحاول هذه المنظمة السيطرة على الأسعار من خلال تحديد كميات النفط المستخرجة للدول الاعضاء بما يتلاءم مع الطلب العالمي وعدم حدوث فائض في انتاج النفط .

الدول المنتجة للنفط انقسمت الى قسمين في كيفية استخدام الموارد المالية الناتجة عن بيع النفط فالقسم الاول استخدم هذه الموارد في تطوير الاقتصاد غير النفطي وقطاع التعليم  والتركيز على الانفاق الاستثماري وادارت موردها النفطية بذكاء وكفاءة عالية كالبرازيل التي ادى اكتشاف النفط فيها الى تطور كبير في مستوى الاقتصاد وتنوعه وزيادة في مستوى الدخل الفردي والناتج القومي ككل حسب تقارير اعدها صندوق النقد الدولي, وعلى نفس السياق هناك ماليزيا هي الاخرى قد استخدمت القطاع النفطي في تكوين اقتصاد متنوع ونشط اعادت من خلاله توزيع الثروة بين المواطنين لتقل نسبة الاسر الفقيرة من 50% في ستينيات القرن الماضي  الى 1% في الوقت الراهن وهي طفرة هائلة في هذه الفترة الزمنية وعند النظر الى الازمة العالمية للاقتصاد في عام 2008م نلاحظ ان ماليزيا من اقل الدول تأثراً بهذه الازمة وهذا التطور في الاقتصاد الماليزي لم يأتي من فراغ وانما من خلال عمل دؤوب واجراءات اقتصادية مدروسة منها:

*تطوير القطاع الزراعي ودعم المزارعين من خلال حق استخدام الارض واعمال الري وتوزيع المبيدات وتطوير البحوث الزراعية للاستفادة القصوى من المساحات الزراعية وتجهيز الفلاح للاستفادة من التنمية الاقتصادية وثم نقلت الفائض من المزارعين للقطاع الصناعي وذلك للاستفادة من كل الادي العاملة في البلاد والقضاء على البطالة المقنعة.

*تطوير البنية التحتية للقطاعات الاخرى كالنقل والاتصالات والتعليم والطاقة وقد نجحت في ذلك لتتكون بذلك بيئة صحية للنمو الاقتصادي.

*ترشيد الانفاق والتوجه نحو الانفاق الاستثماري مع تطوير الانظمة الرقابية وتطوير النظام الضريبي.

هذه الاجراءات وغيرها وتتابع الحكومات على نفس النهج ادى الى التطور الهائل في الاقتصاد الماليزي ليكون احد اهم الاقتصادات الاسلامية.

واما القسم الثاني من الدول المنتجة للنفط فهي الدول التي راعت العوائد المالية الكبيرة للنفط فاعتمدت عليه بتمويل اقتصادها وتجاهلت الجوانب الاخرى للاقتصاد لتقع في فخ الاقتصاد النفطي متجاهلة مخاطر تقلب الاسعار وهناك مخاطر اخر مثل العقوبات الاقتصادية على الدول التي قد تمنعها من تصدير النفط هذه الدول التي اهملت القطاع الصناعي والزراعي ستجد نفسها امام عجز في السيولة لاستيراد احتياجاتها الاساسية كالغذاء والدواء ويأتي خطر الطاقة البديلة فالدول بدأت بطوير الطاقة البديلة (الشمسية, المائية, الهوائية) للعديد من الاسباب منها:

*القلق العالمي بشأن النمو السريع لاستهلاك الطاقة ونفاذ المخزون من النفط.

*التخلص من عبئ الازمات النفطية.

*منع استخدام النفط كسلاح اقتصادي او سياسي.

*العوامل البيئية.

ان نسبة استخدام الطاقة المتجددة (البديلة) هو 6% حاليا والمتوقع ان ترتفع هذه النسبة الى 30%عام 2030م وهذا يعني ان التوجه يزداد نحو هذه النوع من الطاقة وبالتأكيد سيؤثر على اسعار النفط.

ومن الامثلة على تلك الدول فنزويلا صاحبة الاحتياطي الاكبر تلك الدولة اعتمدت بشكل شبه كلي على النفط ليشكل 90% من الاقتصاد ومع ازمة 2008م وانخفاض اسعار النفط اضافةً  للعقوبات الامريكية  وجدت فنزويلا نفسها امام عجز في السيولة لم تجد طريق للتخلص منه سوى طبع العملة لينهار البوليفار والاقتصاد الفنزويلي معاً.

وعند النظر للتقارير الاقتصادية العراقية لعام 2018م  سنشاهد ان 89.7% من الايرادات العامة هي نفطية و 99.8%من الصادرات السلعية هي الاخرى نفطية ان هذه النسب تؤكد ان الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل شبه كلي على النفط كما ان اغلب انفاقه استهلاكي وهو بذلك لا يستطيع ان يقاوم اي خلل لأسعار النفط وخير دليل على ذلك هو ازمة اسعار النفط بعد كورونا فبعد اشهر قليلة وجدت الحكومة نفسها في مأزق لتوفير رواتب الموظفين حتى والحل الوحيد امامنا هو عمل اصلاحات اقتصادية حقيقة قبل ان نصبح فنزويلا جديدة.