ماذا لو عرفوا السيستاني.. ذلك التلميذ القرآني!

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

هل كانت القدرة التأثيرية للنبي الأعظم (صلى الله عليه واله) كامنة في أقواله أم أفعاله؟؟

وهل اقتحمت تعاليمه (الرقيقة) تلك الانفس القاسية والطباع الغليظة بالخطب الرنانة، أم الأعمال الواقعية؟!

وعندما أحاطت به عناية الرب، وهبط عليه نصر السماء، ووصفه كلام خالقه بأنه (على خلق عظيم) فأين يا ترى كان مركز هذه العظمة؟

الجواب: انها كانت متمركزة في ثلاثة امور:

1- الإخلاص، وانقطاعه الكامل لله تعالى، وطمعه بما لديه وحده، حتى يكون القلب خالياً تماماً من كل شائبة طمع أو مصلحة للنفس خاصة (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) الأنعام.

2- المحبة، وشفقته (عليه وآله الصلاة والسلام) وعطفه على الناس، وحرصه على هدايتهم مهما سببوا له من الأذى والظلم (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦) الكهف.

3- التواضع، وفنائه (صلى الله عليه واله) الكبير في ساحة الربوبية، وخوفه من التقصير في أداء واجبه، وشعوره بالضعف والمسكنة كلما تعاظمت قوته الروحية، وسلطته الظاهرية، وارتفعت درجته عند الله وعند الناس (طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٣) طه.

وهكذا، رشحت قطرة من هذا البحر المحمدي، وأينعت ثمرة من هذه الشجرة النبوية، فتجلت في تلميذ من تلاميذ مدرسة (خلق عظيم) اسمه السيد علي بن السيد محمد باقر بن السيد علي الحسيني الذي يعرفه الناس بلقب (السيستاني).

 

لقد تجلى لأهل هذا الزمان نموذج فريد لتطبيق ذلك الخلق المحمدي بسلوك طريقه الصعب الذي ليس من السهل احتماله والصبر عليه وهو طريق (اعمل بصمت ودع عملك يتكلم، واعمل الان ودع الاجيال لتفهم).

فكان السيستاني مع الله، تلميذ جده المصطفى، مخلصاً متوسلاً منقطعاً الى الله تعالى يطلب النصر منه لا من سواه، في هذا العصر، حيث تروج ثقافة التفاخر والاستقواء بالأموال والنفوذ والأتباع والجيوش الحقيقية والإعلامية ووو، فما أحوجنا الى مدد الغيب وقيادة ربانية تستمد قوتها من الله قبل أن يخذلنا ويغضب علينا لنسياننا إياه واعتمادنا على سواه.

وكان السيستاني مع الناس، بقلب جده المرسل، عطوفاً مشفقاً، عازماً على فراق هذه الدنيا بصحيفة خالية من أي إساءة لأحد، أو جرح لشخص، أو ردٍ على متطاول، أو كسر لكرامة مسلم، وما أحوجنا في هذا الزمن الذي يضج بالعداوات والخلافات، الى صوت ينادي بالرحمة بشكل حقيقي وصادق، حتى مع أعدائه الذين أذاقوه من المرارات والاتهامات مالا يعلمه إلا الله.

 وكان السيستاني مع نفسه، طالباً في مدرسة النبوة، لا يرى لنفسه قيمة تذكر، فلا حزب يروج له ولا فضائية، ولا ميزانيات تصرف لتعليق صوره الضخمة في الشوارع، ولا شيء ولا شيء، غير الزهد والإعراض، وإتهام النفس بالتقصير، ولا رغبة في (نفسي) وقت لـ (رأيي).

وما أحوجنا اليوم الى شخص متواضع زاهد بعيد عن زخارف الدنيا في زمن الأنا والتضخيم والتلميع للذوات والصفات.

يالله، ما أصعب هذا الاندكاك في ذات الحق، مع إقبال الدنيا بباعها وذراعها!!

فإذا كان بعض المحبين والمهتمين يتساءلون، لماذا لا يوجد في النجف درس للأخلاق؟!

فجوابه (العملي) واضح، وهكذا تربي حوزة النجف تلاميذها على النهج القرآني.

في الختام نقول: لقد دافع هذا التلميذ بخطه المستقيم الصادق عن الإسلام كله وليس عن الشيعة فحسب، فلو عرف المسلمون من بقية المذاهب أن من بين القيادات الدينية المستقيمة من يجسد القرآن بتصرفاته كالسيستاني، وعرفوا منطلق حملات الدعائية ضد هذا الـ (مدرسة)، لارتاحت نفوسهم من تناقضات المتمشيخين، وعرفوا أين يكون النبع الصافي.

*كُتب هذا المقال بتاريخ: ٢٠١٧/٢/٥