وآتيناه الحكمَ صبيا

كتب يحيى غالي ياسين: 

لا مدخلية للعمر في حياة قادة ورؤساء الخط الرسالي الإلهي من انبياء وائمة واوصياء وأولياء .. لأنهم مسددون من قبل باعثهم ومَن نصّبهم في مراتبهم ووظيفتهم بين الناس ، وهو الله جلّ وعلا الذي يعلم حيث يجعل رسالته ، وهذا التسديد تارة يكون بالوحي وتارة بالإلهام والقذف في القلب وتارة بالتوفيق .. ما يحتاجونه من علوم وفنون خاصة بوظيفتهم يجدونها حاضرة عندهم بالطرق الخاصة لا بالكسب والتحصيل المتعارف ..

( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ) ، هكذا يخاطب الله تعالى نبيّه نوح في صناعة سفينة ، فكيف اذن بمهام الرسالة والنبوة ..!

وفي القرآن الكريم اكثر من آية تتحدث عن هذه الحقيقة ، اي استثناء العمر لمن كُلّف بمهمة الهية ، فتحدّث عن نبي الله عيسى ع بأنه ( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) ، وعن يحيى عليه السلام ( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) ..

والاستثناء هذا يشمل التقدم في العمر ايضا ، حيث لا تعتري هذا الخط الالهي امراض واعراض الكهولة والشيخوخة العقلية والذهنية ، فلا يصيبهم النسيان فضلاً عن الخرف وما شاكل ذلك ، فهم لا يمرّون بمرحلة ( أرذل العمر ) حسب التعبير القرآني .. فنبي الله نوح دعا قومه ٩٥٠ عاماً فضلا عن عمره الذي يتجاوز عمر الدعوة ، قال تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) ، والخضر عليه السلام الذي عمّر الاف السنين ولا يزال على قيد الحياة - كما يُعبر - ، وامامنا المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي تجاوز عمره ١١٨٥ عاما ..

وها نحن نعيش ذكرى وفاة مصداق آخر لإستثناء العمر في رجال الخط السماوي ، وهو امامنا الجواد عليه السلام الذي تسلّم مهام وظيفة الامامة الالهية عن آبائه عليهم السلام وهو ابن السابعة ، بما تحمل هذه المهمة من اعباء ومسؤوليات غيبية وفكرية واجتماعية وقيادية ومخاطر سياسية ..

ولقد ثبت للقاصي والداني في عصره استحقاقه لهذا المقام الشريف ومقدرته على اداء مهام الإمامة ، وكان تسلّم الامامة بهذا العمر القليل دليلاً قاصماً وبرهاناً ناصعاً على حقانية هذا الخط الالهي وحجةً دامغة على كل المشككين والمرجفين والناصبين العداء لأهل البيت ع ..

عظم الله لكم الاجر واحسن لكم العزاء ..