مترجم: هل حقاً ان ’الدين’ سبب معظم الحروب التي وقعت؟!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

من كتاب "داخل العقل الملحد".

أنطوني ديستيفانو

ترجمة ضرعام عبد الكريم الگيار

يزعم الملحدون ان الدين هو السبب والمحرك الرئيسي لمعظم الحروب التي وقعت على مر التاريخ. إن طرح مثل هذا الشيء السخيف يعني إظهار جهل بالتاريخ قد يصل إلى حد البلاهة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

السبب الأول للحروب وإراقة الدماء على هذا الكوكب كان وسيظل دائمًا هو المكاسب الاقتصادية. حيث يرغب بلد أو مدينة أو بلدة في السيطرة على ثروة بلد او مدينة اخرى ويحاول القيام بذلك بالقوة، ويترتب على ذلك صراع دموي عنيف، يموت بسببه عدد كبير من الناس. في العصور القديمة قد تكون الفائدة الاقتصادية ذهب أو فضة او مجوهرات ثمينة أو أرض أو أدوات أو ماشية أو عبيد. أما في الأزمنة الحديثة، فعادة ما تأخذ المنفعة الاقتصادية شكل النفط أو التكنولوجيا أو الآلات أو الموارد للتصنيع. بغض النظر عن الغرض المحدد الذي سيتم اكتسابه، فإن الدافع الأساسي هو نفسه دائمًا - المال.

الى جانب الاقتصاد - وغالبًا ما يكون مرتبطًا به - كان السبب الأكثر شيوعًا للحروب وإراقة الدماء في العالم هو المكاسب الإقليمية. إذ تتوصل دولة أو مدينة أو بلدة معينة إلى استنتاج مفاده أنها بحاجة ماسة إلى المزيد من الأراضي - إما لأسباب اقتصادية (كالزراعة أو النفط)، أو لأنها تريد المزيد من "مساحة المعيشة" (مثل الغزو النازي للبلدان المجاورة لها)، أو إنشاء مناطق عازلة بينها وبين الأعداء (كما هو الحال في الشرق الأوسط أو أوكرانيا).

هذان هما السببان الرئيسيان للصراع العنيف في تاريخ البشرية ولا شيء آخر، وهما ذوات طبيعة دنيوية وليست دينية وعلاوة على ذلك، كانت الأنواع الرئيسية من الحروب أهلية أو ثورية، حيث ينشأ الخلاف داخليا، أي داخل بلد معين حول كيفية حكم الأمة، فتلتهب المشاعر، وتتبعها الحروب والمجازر. أو ربما تثور شريحة من السكان ضد حكامها بغرض تغيير القيادة أو لتقرير المصير.

تمثل الحروب الأهلية والثورية عددًا كبيرًا من الصراعات الدموية التي حدثت على هذا الكوكب، وكلها تقريبًا تتعلق باكتساب السلطة السياسية. القليل منها فقط كان له علاقة بالدين أو الإيمان بالله. في الواقع، حتى عندما يكون الغرض المعلن للحرب إيديولوجيًا بطبيعته، يكون السبب الأساسي عادةً مدنيًا أو ثوريًا أو اقتصاديًا أو إقليميًا.

على سبيل المثال، خاضت فرنسا وإنجلترا الحرب مرات لا حصر لها على مر القرون، لكن هل تعتقد حقًا ولو لوهلة أن السبب يرجع الى أن الإنجليز بروتستانت والفرنسيون كاثوليك؟ وبالمثل، على الرغم من كثرة الحديث أثناء الثورة الأمريكية حول النضال من أجل القضية النبيلة المتمثلة في "الحقوق غير القابلة للتنازل"، فهل هناك أي شك في أن السبب الرئيسي لثورة المستعمرين ضد بريطانيا العظمى هو الحصول على الحرية السياسية والاقتصادية؟

الحقيقة الاكيدة هي أنه من غير المعقول الادعاء بأن الدين قد تسبب في معظم الحروب في التاريخ، وهذا ما تؤكده النظرة الخاطفة للتاريخ الانساني، فوفقاً لموسوعة فيليبس وأكسلرود المؤلفة من ثلاثة مجلدات عن الحروب، والتي تؤرخ حوالي 1763 حرباً التي دارت بين 8000 قبل الميلاد و2000 ميلادية، يمكن تصنيف 123 حرباً فقط على أنها دينية في طبيعتها[1]. وهذا يمثل 6.98 في المائة من جميع الحروب التي وقعت على الإطلاق.

كيف يمكن للملحدين أن يشتكوا بشكل هستيري من أن المؤمنين قد تسببوا في الكثير من إراقة الدماء وهم يمثلون أقل من 7 في المائة من جميع حروب البشرية - في حين أن أكثر من 93 في المائة كانت بسبب عوامل أخرى؟!

ضع في اعتبارك أننا لم نتحدث حتى الآن عن عدد ضحايا الحرب.

إذا نظرت إلى قائمة بجميع النزاعات العنيفة التي حدثت في التاريخ - من حرب فيتنام إلى الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الأهلية الصينية إلى الثورة المكسيكية إلى الحروب النابليونية إلى الفتوحات المغولية - سترى أن الغالبية العظمى من القتلى كانوا ضحايا الحكومات وليس الأديان. لقد صاغ رودولف رومل، (أستاذ العلوم السياسية الشهير الذي قضى حياته المهنية بأكملها في دراسة البيانات حول الحروب والعنف الجماعي)، مصطلح democide "الإبادة الجماعية" لوصف الظاهرة التاريخية الشاملة "القتل على يد الحكومة". وفقًا لرومل، في المائة عام الماضية وحدها:

تعرض ما يقرب من 170 مليون رجل وامرأة وطفل للرصاص والضرب والتعذيب والطعن والحرق والجوع والتجميد والسحق والعمل حتى الموت ؛ وتم دفنهم أحياء، أو اغراقهم، أو شنقهم، أو قُصفهم، أو قُتلهم بأي طريقة أخرى من طرق لا تعد ولا تحصى اتبعتها الحكومات في قتل المواطنين والأجانب العزل والعاجزين، وهناك من يقدر عددهم بحوالي 360 مليون شخص.

يبدو الأمر كما لو أن جنسنا قد دمره الطاعون الأسود الحديث. وقد تم ذلك بالفعل ولكن هذه المرة كان المتسبب وباء السلطة، وليس الجراثيم[2].

اننا اذا ما صنفنا الحروب التي اندلعت في العالم منذ بزوغ فجر التاريخ وفقاً لأعداد الضحايا وخسائر الأرواح سنجد ان ثلاثة حروب من أكثر عشرة حروب دموية على الإطلاق حدثت في القرن العشرين: الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والحرب الصينية اليابانية الثانية. الحرب العالمية الثانية وحدها، التي حدثت بين عامي 1939 و 1945، تفوقت على جميع الحروب الأخرى في أعداد القتلى، حيث قُتل ما يزيد عن سبعين مليون شخص.

فهل يحتاج الملحدون إلى التذكير بأن الحرب العالمية الثانية لا علاقة لها بالدين؟

لكن الأسوأ لم يذكر بعد. إن الأرقام الدموية التي ذكرناها تظهر فقط الحقيقة الواضحة وهي أنه عندما يتعلق الأمر بالحروب، فإن القضايا الدنيوية مثل الاقتصاد والسياسة تفوق بكثير القضايا الدينية. لكن ماذا لو تعمقنا أكثر؟ ماذا لو نظرنا إلى القادة الملحدين ودرسنا ما يحدث عندما يكونون في السلطة؟ ماذا لو نظرنا على وجه التحديد إلى الحروب والقتل الجماعي التي حدثت في عهد الأنظمة الملحدة؟

وهنا نكتشف سبب رضا الملحدين على جهلهم بالتاريخ. ونرى أحد الأسباب الرئيسية لكذبتهم الكبيرة حول علاقة الحروب بالدين. الحقيقة هي أن الفلسفات القائمة على الألحاد وقادته يتحملون اللوم على الغالبية العظمى من الوفيات الناجمة عن الحروب والقتل الجماعي في العالم. ما عليك سوى إلقاء نظرة على قائمة مختصرة لبعض الديكتاتوريات اللادينية سيئة السمعة في الماضي القريب:

جوزيف ستالين (الاتحاد السوفيتي): تسبب بمقتل 42,672,000 انسان

ماو تسي تونغ (الصين): تسبب بمقتل 37,828,000 انسان

أدولف هتلر (ألمانيا): تسبب بمقتل 20,946,000 انسان

شيانغ كاي شيك (الصين): تسبب بمقتل 10,214,000 انسان

فلاديمير لينين (الاتحاد السوفيتي): تسبب بمقتل 4,017,000 انسان

هيديكي توجو (اليابان): تسبب بمقتل 3,990,000 انسان

بول بوت (كمبوديا): تسبب بمقتل 2,397,000 انسان[3]

يذكر ستيفان كورتوا في كتابه "الكتاب الأسود للشيوعية"، أن الحكومات الملحدة الشيوعية قتلت أكثر من مائة مليون شخص في القرن العشرين وحده[4]. ويوافقه الملحد السابق ثيودور بيل الرأي قائلاً: "كانت هناك ثمانية وعشرون دولة في تاريخ العالم يمكننا التأكيد بأنها حُكِمَت من قبل أنظمة يقودها ملحدون . . . أكثر من نصفهم قاموا بأعمال ابادة جماعية من النوع الذي ارتكبه ستالين وماو. . . وبلغ إجمالي عدد القتلى خلال التسعين عامًا بين عامي 1917 و 2007 ما يقرب من 148 مليون قتيل على أيدي اثنين وخمسين ملحداً دموياً"[5].

جواب هذا اللغز القاتل هو أنه من دون الله، لا يوجد قاض أخلاقي حاسم لأفعال أي شخص. من دون الله، لا توجد سلطة مطلقة، ولا يوم قيامة، ولا مساءلة أخلاقية. لقد قتلت الحكومات الملحدة من البشر أكثر من ما قتل اي دين في التاريخ لأن الملحدين لا يؤمنون بالله الذي يقول أن القتل خطأ. لا يؤمنون بـ "بحكم شرعي" ضد القتل. لا يؤمنون بحكم شرعي ضد أي شيء، فكل شيء عندهم مباح.

بالتأكيد، قد يعتقد الملحدون أن بعض الجرائم تستحق الشجب، ولكن في نهاية المطاف، أسبابها إما عاطفية أو عملية في طبيعتها - وليست وجودية. وبعبارة أخرى، قد يعتقدون أنه من الخطأ ارتكاب جريمة معينة لأنها منفرة من الناحية النفسية، أو لأنهم يعتقدون أن المجتمع لا يمكن أن يعمل بشكل صحيح في بيئة من السلوك الإجرامي المتفشي - ولكن ليس لأن الجريمة خاطئة في حد ذاتها. ليس لأن الجريمة هي فعل مخالف لطبيعة الله ذاته – الذي هو الخير والحق والحياة. لذلك، إذا كان الديكتاتور الملحد يعتقد أنه لا يوجد أي مشكلة أخلاقية في ذبح عشرات الملايين من الناس - ولديه القدرة على القيام بذلك - لماذا لا يفعل ذلك؟

 

[1] Charles Phillips and Alan Axelrod, eds., Encyclopedia of Wars (New York: Facts on File, 2005).

[2] R. J. Rummel, Death by Government (New Brunswick, NJ: Transaction Publishers, 1994), 9.

[3] Ibid., 8.

[4] Stéphane Courtois, et al., The Black Book of Communism: Crimes, Terror, Repression, trans. Jonathan Murphy and Mark Kramer, ed. Mark Kramer (Cambridge: Harvard University Press, 1999), 4.

[5] Beale (under his penname Vox Day) is quoted by Ken Ammi in “Atheism,” Creation Ministries International, June 18, 2009, http://creation.mobi/atheism#atheism-communism.