عصر التوثيق: هل يحق لنا إشهار الخصوصية؟

في ظل تصاعد التطور التكنولوجي الهائل خصوصا في مجال وسائل وأجهزة الاتصال؛ ارتفعت نسبة التوثيق كنتيجة طبيعية للإتاحة التي توفرها التقنيات التصويرية المتعددة، فمن الكاميرا الرقمية إلى كاميرات الهواتف عالية الدقة وصولا إلى تقنية التقاط صورة الشاشة جعلت من مستخدمي هذه الأجهزة موثقين لكل تفاصيل الحياة اليومية؛ ما يستحق الحفظ وما لا يستحق أيضا، لكن بعض هذه التوثيقات لا تندرج في خانة الذكريات ولم تُحفظ لأجل سبب إيجابي بل لغرض الإدانة وهذا تحديدا ما يعكس الصورة السلبية لاستثمار التطور في وقتنا الحالي.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 

بالعودة إلى العنوان فكرت أن استبدل كلمة (عصر) بمفردة (جيل) بحكم إن هذا الجيل اختلف عن الأجيال السابقة بإدمانه على عالم التواصل الاجتماعي؛ ولكن بحسب توقعاتي إن مسألة التوثيق الإيجابي والسلبي سيستمر لأجيال لاحقة وربما سيتخذ التوثيق أشكالا أكثر سهولة، وهنا نطرح بديها عدة تساؤلات منطقية وأخرى لدواعي الفضول.

ومنها؛ إلى أي مدى لدى أحدنا الحق بتوثيق حوار من دون إذن الطرف الآخر؟.. وهل من الطبيعي أن نوثق لحظاتنا بالتفصيل لغرض عرضها وهدر الخصوصية بشكل قد يصل إلى حد الابتذال؟.. وهل ما نوثقه يرتقي لهذه الأهمية ونفوت على ذاكرتنا التخيلية حقها في حفظ المشاهد والمواقف والأحداث؟

هذه التأملات وغيرها تجبرنا على إثارة هذا الموضوع، لتنبيه المهتمين ولو بشكل غير مباشر على مبدأ الخصوصية واحترام ثقة الاخرين بنا، وحماية أنفسنا من التعرض لأي تدخلات بسبب إشهار يومياتنا للعلن، والأهم الاستثمار الأمثل للخيارات المتعددة التي يقدمها مبرمجو التقنيات التصويرية باختلاف طبيعتها، وتمكين فقط الذكريات والأمور التي تستدعي حمايتها وحفظها، وبالتأكيد يتم تمييز هذا الأمر من خلال التفكير بالجدوى، وإن هذا العصر الذي نعيشه حاليا في ظل رقمنة الأداء الإنساني يشبه إلى حد ما العصور الجليدية لكن ليس جغرافيا بل سلوكيا.