وجه آخر لـ ’السوشيال ميديا’: مواطن صحفي و شباب ينشد ’التغيير السياسي’!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

 

وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في صناعة الرأي العام وتشكيله

كتب د. أشرف العيسوي:

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً فاعلاً في صناعة الرأي العام وتشكيله، حيث تسهم في ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترف بها.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وتحظى بالانتشار بين الأشخاص العاديين، ومن ثم التأثير على سلوكهم وفي تشكيل توجهاتهم إزاء قضايا بعينها؛ وهذا الدور وفقاً لنظرية التسويق الاجتماعي يتشابه إلى حد كبير مع حملات التسويق التي تستهدف الترويج لسلعة معينة وإقناع المستهلكين بها.

وهذا التأثير يرجع بالأساس إلى ما تتميز به وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الجديد بوجه عام، من قدرة على التأثير الكمي من خلال التكرار، حيث تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم رسائل إعلامية متشابهة ومتكررة حول قضية ما، بحيث يؤدي هذا العرض التراكمي إلى اقتناع أفراد المجتمع بها على المدى البعيد. وعلى أية حال، فإن وسائل التواصل الاجتماعي باتت شريك رئيسي في صناعة الرأي العام من خلال العديد من الأدوار:

  • التأثير في الوعي حيث يمكن لنخبة من المفكرين والمثقفين ترويج أفكارهم من خلال شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، والعمل على تشكيل وعي المستخدمين عن طريق الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة لتعديل السلوك بزيادة المعلومات المرسلة للتأثير عليهم، وتشكيل وعيهم تجاه القضايا المختلفة. وبالفعل فقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في بروز قادة رأي مؤثرين في العالم العربي لهم منابرهم الإعلامية التي تحظى بالمتابعة من ملايين المستخدمين في العالم العربي، وبإمكان هؤلاء التأثير في متابعيهم بدرجة أو بأخرى في ما يتعلق بالقضايا المثارة.
  • تنامي دور الفرد في التأثير على الرأي العام من خلال وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي أصبح من خلالها الفرد يلعب دوراً مهماً في نقل الأخبار وصناعتها وتحريرها، فضلاً عن التأثير في تكوين القناعات حول بعض القضايا. وأسهمت هذه الوسائل في ظهور ما يطلق عليه “صحافة المواطن”، التي تتيح لأي فرد أن يمتلك حساباً على موقع التواصل الاجتماعي، ولديه قدر من المهارات والمعرفة أن يصيغ مواد خبرية، تقارير أو مقالات أو تحقيقات تعبر عن وجهة نظره إزاء مختلف القضايا، لكن المشكلة هنا أن هذا النوع من الصحافة يفتقر أحياناً إلى الدقة والمصداقية، حينما يقوم الفرد بالمزج بين رأيه وبين الخبر أو الحدث الذي ينشره على صفحته الخاصة أو يرسله إلى وسائل الإعلام الأخرى، سواء كانت تقليدية أو إلكترونية. وتطورت صحافة المواطن مع إقبال المواطنين على الإعلام البديل من أجل التعبير بحريّة عن أوضاعهم بعد أن احتكرت بعض الحكومات ورجال الأعمال في العالم العربي وسائل الإعلام التقليديّة. وأهم ما يميز الصحفي المواطن هو عدم خضوعه للقيود التي تفرضها عليه المؤسسات الإعلامية التقليدية، حيث يتمتع بحرية كبيرة في الفضاء الرقمي ومن الصعب السيطرة عليه أو التأثير في توجهاته، وهذا شكل تحدياً سياسياً للسلطات السياسية عبر منازعتها في امتلاك وسائل الإعلام، والرد عليها حين تستخدم هذه الوسائل في التعبئة والحشد وتبرير السياسات القائمة وتزييف الوعي، بل وأكثر من ذلك فإن هذه النوعية من الصحافة أصبحت تقوم بدور رقابي على أداء الحكومات وكشف مظاهر الفساد المستشري في بعض القطاعات.
  • كما ظهر تأثير دور الفرد في تشكيل الرأي العام من خلال ما يسمى ”المدونات الإلكترونية”، التي تمثل نافذة مهمة تتيح نشــر المعلومات في كافة مجالات المعرفة البشرية، ويتم التعرف من خلالها على الرأي والرأي الآخر. ولعل ما يضاعف من أهمية المدونات في التأثير على الرأي العام هو تزايد أعدادها بدرجة كبيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 409 ملايين شخص يشاهدون أكثر من عشرين مليار صفحة تدوين شهريا، وأن المستخدمين ينشرون 70 مليون منشور جديد و77 مليون تعليق جديد كل شهر، وتشير إحصائية أخرى إلى أنه من بين 1.7 مليار موقع في العالم، هناك حوالي 500 مليون مدونة، وهذا إنما يشير بوضوح إلى أن تأثير المدونات قد لا يقل أهمية عن وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية – فيسبوك وتويتر– في التأثير على الرأي العام، خاصة أنها تعد من أفضل مصادر المعلومات حول مجمل القضايا التي تهم الأشخاص في المجالات كافة، الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

    وتشير العديد من الدراسات إلى أن المدونات، ووسائل التواصل الاجتماعي بوجه عام، أثرت بدرجة كبيرة في الرأي العام، سواء بشكل مباشر من خلال متابعيها، أو بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها في وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، خاصة بالنظر لما تتمتع به من سرعة في الاستجابة للأحداث ومن قدرة على الانتشار بشكل كبير، بل أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تقوم بدور فاعل في تشكيل رأي عام دولي موحد تجاه قضايا بعينها نتيجة التفاعل بين مستخدميها الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، لكنهم يؤمنون بمنظومة مشتركة من القيم، ولعل المثال الواضح على ذلك التأثير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه الرأي العام الدولي تجاه الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا في مارس من العام 2019، وتوصيفه باعتباره عملاً إرهابياً، وأجبرت شركتي فيسبوك وتويتر على إزالة المحتوى الرقمي الذي يحض على الكراهية ويحرض على العنف ضد المسلمين في الدول الأوروبية.

    3. عامل مساعد في حركة التغيير حيث لم يقتصر دور وسائل التواصل الاجتماعي على تشكيل توجهات الأشخاص تجاه قضايا بعينها، وإنما تطور هذا الدور إلى دفع حركة التغيير في بعض الدول، ولعل أحداث ما يسمى “الربيع العربي” كانت كاشفة لهذا الدور، فالدعوة إلى المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها العديد من الدول العربية منذ نهاية عام 2010 كانت تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة “فيسبوك” و”تويتر”، وكذلك من خلال المدونات التي كان لها دور كبير في كشف العديد من أوجه الخلل ومظاهر القصور في أداء بعض الحكومات العربية، وخاصة قضايا الفساد السياسي وغياب الشفافية والعدالة الاجتماعية، والتي شكلت في جوهرها أحد العوامل التي دفعت الشباب في هذه الدول إلى التظاهر والدعوة إلى تغيير الأنظمة، احتجاجاً على هذه الأوضاع والمطالبة بتغييرها من وجهة نظرهم.

    وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها في التنشئة الاجتماعية

    يتفق كثير من باحثين علم الاجتماع السياسي على أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بدرجة كبيرة في التنشئة الاجتماعية والسياسية، وخاصة على النشء والشباب الأكثر استخداماً لها، وإن كان ثمة خلاف بينهم حول طبيعة هذا التأثير، ففي الوقت الذي يصف فيه البعض هذا التأثير بالإيجابي، استناداً إلى أنه يمكن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لبث القيم الإيجابية كالولاء والانتماء والمشاركة الفاعلة في بناء الأوطان وتنميتها؛ يعارض آخرون ذلك، من منطلق أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تراجع الدور الذي تقوم به مؤسسات التنشئة الأصيلة كالأسرة التي لم تعد مخزن للقيم بعد أن استولت وسائل التواصل الاجتماعي على عقول النشء والشباب إلى درجة الإدمان، وبدأت تهدد كثيرا من القيم التي كانت تحرص عليها الأسرة، بعد أن أصبح الشباب خاضعين لقيم العالم الافتراضي التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الساعة.

    لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي تشكل المصدر الرئيسي لتنشئة النشء والشباب، وهذا لا شك قد يؤدي على المدى البعيد إلى انحسار الثقافة التقليدية الأصيلة وتراجعها لصالح هذه الثقافة المعولمة التي تروج لمنظومة مختلفة من القيم والعادات. والخطورة في ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤصل لفكرة ارتباط الإنسان، لا بالدولة القومية والمجتمع الوطني، بل بالعالم أجمع، وتعزز من فكرة الخروج من المجتمع الضيق المحدود إلى العالم الكوني، مع ما يعنيه ذلك من ذوبان الهوية والشخصية الوطنية في قالب هوية وشخصية عالمية يفقد فيها الفرد جذوره ويتخلى عن ولائه وانتمائه.

    وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها في التثقيف والمشاركة السياسية

    تشير العديد من الدراسات إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تسهم بدور كبير في التثقيف السياسي، من خلال ما تتيحه من محتوى رقمي متنوع يتناول مختلف النظريات والأفكار والأيديلوجيات السياسية. وتعد فئة الشباب الأكثر تأثراً بهذا المحتوى، بحكم ما يتمتعون به من سمات تجعلهم أكثر انفتاحاً على الثقافات العالمية والتجارب السياسية في الحكم لمختلف دول العالم. ويكشف هذا بوضوح أن وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة تمثل نافذة مهمة للتثقيف السياسي وزيادة الوعي بأهمية المشاركة السياسية، إذ أن المشاركات المتعددة للمحتوى الذي تنشره صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من شأنه أن ينمي المعرفة السياسية والمساهمة في التنشئة السياسية للنشء والشباب. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يدفعهم، إلى المشاركة في العمل السياسي، خاصة في ظل تنامي دور الشباب في السياسة العالمية، إذ أن كثيراً من القيادات والمسؤولين السياسيين في العالم ينتمون إلى جيل الشباب.

    كما أتاحت، في الوقت ذاته، وسائل التواصل الاجتماعي للشباب فرصاً عديدة للتعبير عن مواقفهم تجاه مختلف القضايا المحلية والعربية والدولية، وهناك من يذهب إلى أنها لم تعد مواقع للمعلومات السياسية فقط، بل تحولت إلى آليات للتدريب على ممارسة العمل السياسي، وليس أدل على ذلك من أن وسائل التواصل الاجتماعي أفرزت خلال السنوات الماضية نخبة جديدة من الشباب العرب يتابعهم الملايين، ويمتلكون القدرة على التأثير والإقناع.

    المصدر: تريندز