عصر الدعاية: جسد المرأة ’سلعة’ مكتظة بالإغراء!

في ظل النظام الرأسمالي، وما وصلنا إليه اليوم من عصر التسوق والتسليع، “تسليع ما لا يسلع، وتأنيث ما لا يؤنث”، أصبحت المرأة تشكل أداة في يد آلة الترويج الضخمة التي تظهر المرأة في صورة إشهارية مكتظة بالإغراء، وذلك من أجل زيادة الربح والإنتاج، في عالم صار مولعًا بثقافة الاستهلاك.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وما يرسخ هذا التحول، الثقافة الرأسمالية التي تسعى إلى إقناع الأفراد بأن يستهلكوا أكثر من احتياجاتهم الأساسية، وفي ذلك ضمان لاستمرار عملية الإنتاج التي تراكم رأس المال في هذه المنظومة، مما يعني دينامية وديمومة هذه المنظومة على حساب الأفراد المستهلكين بالدرجة الأولى.

إن ثقافة الاستهلاك في منظومة الاقتصاد الرأسمالي اختزلت معنى الحياة في الأشياء التي نمتلكها تارة، أو نستهلكها تارة أخرى. وهذا التردي في مفهوم معنى الحياة قادنا الى قتل معنى الوجودية، وجعلنا من البؤس في مكان أن تصبح التفاصيل البسيطة جملة من التعقيدات التي تحرم الأفراد من عفوية الحياة، وجمالها المختبئ خلف ما يريدون، لا ما يراد لهم أو يملى عليهم.

ورغم أن حرية المستهلكين في الاختيار حق مكفول لهم، إلا أن هذه المنظومة توجههم قيميًا، وتحركهم أخلاقيًا، وتفرض عليهم كمًا هائلًا من المعايير التي تحكم سلوكهم وتحد من طموحهم.

وبين ادعاء الحرية وثقافة الاستهلاك، توظف المرأة كجسد يخلو من أي شيء حي، وفي الوقت عينه يستخدم الجسد نفسه للدلالة على الحياة. توظف كجسد لتشعل حواس الإغراء ضمن سلسلة لا متناهية من الرموز والشعارات والألوان والأدوات، المعقدة تركيبيًا، البسيطة ظاهريًا، في صورة إشهارية ضخمة، لتخرج لنا على هيئة إعلان لمنتج، أو لخدمة ما، أو حتى للترويج لبعض الحملات الدعائية.

وفي عصر السرعة والتقانة وفي زمن تلبية الاحتياجات، محالة كانت أو على قدر المستطاع، تشيأ المرأة وتجزأ، فإما أن تظهر كقطعة إغراء كاملة، أو يقرن وجهها أو يدها أو صدرها أو شفتاها… مع سلعة ما.

ومن المؤكد أن ظهور جسد المرأة بشكل كامل أو جزء منه، غير مرتبط بإرادة المرأة، وإنما بما تقتضيه السلعة والسوق، لتظهر أيضًا ضمن ضوابط السياق الاجتماعي الذي تعيش فيه المرأة، فمن الطبيعي مثلًا أن نشاهد الإعلان للمنتج نفسه للمرأة نفسها بصورة مفعمة بالحشمة والتقاليد، إذا ما كان الإعلان موجهًا لمجتمع محافظ، والاعلان نفسه للمنتج نفسه تراه بصورة مليئة بالإغراء، ولكن هذه المرة الإعلان موجه الى مجتمع غير محافظ.

إن المتتبع لظاهرة العنف الرمزي في وسائل الإعلان المختلفة، يدرك تمامًا مدى دونية التعامل مع الجسد على جميع المستويات، مكانيًا وجنسيًا وروحانيًا. وأخطر ما قد يصل إليه الفرد “المتلقي” هو نكران الذات والسخرية منها، والتمركز في الذات المصطنعة التي ارتآها عبر سلسلة كبيرة من الإعلانات الإشهارية التي اخترقت ذاته وشخصيته وألغت هويته، مما سهل عملية تشكيله وإعادة بنائه بالنموذج الذي يرتئيه موجهو الإعلانات.

ومن الجدير ذكره، أن الصورة الإشهارية ظهرت مع بروز النظام الرأسمالي، وأصبح الارتباط بينهما وثيقًا ومتقدمًا في عصر التكنولوجيا ووسائل الإعلام المختلفة، مما عزز من ارتباط الإشهار بالنظام الرأسمالي عبر وسائل التواصل المختلفة، الحديثة “الإلكترونية” أو القديمة “التقليدية”، كما زادت حدت التناغم بينهما عندما تلاقت الأهداف والمتطلبات في نظام السوق الذي يعتمد على الترويج والتسويق من أجل تحقيق الربح.

وتعمل الصورة الإشهارية على تزييف الواقع وخلط الحقائق. بالإضافة إلى تشكيل الحاجات وتوجيه الاحتياجات، والعمل على ربط المحسوس والملموس بالغرائز، بطريقة لا يشعر بها المتلقي بشكل مباشر، إنما يتورط بها عبر سلسلة من الإجراءات الاعتباطية التدريجية التي يقوم بها قصد اقتناء سلعة معينة، وهذه السلعة قد لا تكون ذات أهمية للمتلقي، ولكن تم خلقها لتكون غرضًا مكملًا لحاجات المتلقي، وللمتلقي الذي صار ضحية الإشهار تصبح هذه الحاجة عنصرًا أساسيًا لا بد من اقتنائه أو الحصول عليه.

المصدر: كيو بوست