جوع وغربة.. هذه أوجاع علماء الشيعة!

لم تكن حاجة إلى درس الأخلاق

كتب السيد أحمد المددي:

لم تكن هنالك حاجة إلى دروس الأخلاق؛ لأنّ جميع سكنات وحركات وأقوال وسيرة هؤلاء العلماء هي درس في الأخلاق.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

لقد وصلت بخدمة السيد الخوئي مراتٍ عديدة وجدته فيها إنساناً عادياً ليس عنده تكلّف. وكان السيد الشاهرودي كالصديق مع باقي الطلاب. وكل هذه في الحقيقة أخلاق عملية تغني عن الدرس. ينقل عن السيد الشاهرودي أنّه كان يمزح مع الكسبة ويدخل عليهم السرور بذلك. ومن جهة أُخرى كانت حياتهم خالية من التكلّف بحيث إذا لاحظ الطالب ذلك في حياة المراجع هانت عليه الصعوبات.

ينقل عن الشيخ الآخوند الخراساني أنّه كان يردّد الكلام الفارسي، فيقول: «سي سال خورشت نان من، گرمی نان من بود» ومعناه: إنّ طعامي مدة ثلاثين عاماً هو عبارة عن حرارة الخبز الذي أتناوله.

ونقل السيد البجنوردي عن السيد يوسف الحكيم النجل الأكبر للسيد الحكيم أنّه كان يقول: «كنّا نطبخ الباقلاء نأكلها ظهراً للغداء، ونتعشّى بمائها في الليل». وحُكي في حياة السيد أبو الحسن الأصفهاني أنّه في مرّة من المرّات لم يكن لديه إيجار البيت فألقى صاحب الدار به وعياله وأثاثه خارجاً فبات مع عائلته في غرفة من غرف مسجد الكوفة، حيث لم يكن يملك بيتاً فحسب بل لا يملك إيجار البيت! وحدثني بعض الأصدقاء بأنّه كان يتحدث مع بعض الطلاب وإذا به يغشى عليه في أثناء الكلام، فلما أفاق قال إنّه لم يأكل منذ ثلاثة أيّام!

لم يكن هؤلاء الطلاب ليعترضوا بشيءٍ أو يقولوا شيئاً؛ لأنّهم يشاهدون حياة مراجعهم وعلمائهم مثلهم. ينقل والدي عن السيد الخوئي أنّه قال: إني قد أخرج في بعض الأحيان لشراء (اللبن الرائب) فأرجع والإناء خال ليس فيه شيء؛ لأني كنت في طول الطريق مشغول البال بمسألة علمية أُفكر فيها. لم يكن يقصد أحد من هؤلاء التفوق سوى التفوق في العلم والأخلاق والروحانية. إنّ ذلك الوضع غير قابل للمقارنة مع وضع بعض طلبتنا اليوم حيث لا قناعة بشغل ولا شغلين.

يُنقل أنّ حرم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان في وقت السحر يعج بحدود مئتي طالب يتلون دعاء أبي حمزة في قنوت صلاة الليل! وعندما ذهبتُ إلى النجف كان الفصل شتاءً، وليل الشتاء طويل، فكانت أبواب الحرم تُغلق ليلاً، فحاول نجل السيد الحكيم فتحها في ليالي الجمعة فقط وكسبَ بذلك موافقة خدّام الحرم. وقد كان السيد البجنوردي يذهب إلى الحرم فإذا وجد الباب مغلقاً صلّى صلاة الليل خلف الباب، وهكذا كانت سيرة غيره من العلماء. لقد كان جوّ النجف يساعد حتى الطالب غير المجدّ على أن يكون عالماً؛ لأنّه أين ما حلّ يجد مجلس البحث العلمي منعقداً. فكل إنسان يعيش في مثل هذا الجو يصير من أهل العلم بشكل طبيعي.

الاجتهاد