وشوم ونفخ شفايف: قدوات ’غير مشرّفة’ على مواقع التواصل الاجتماعي!

البذاءة في مواقع التواصل الاجتماعي وخطورة إهمالها

د. سلامة الصالحي:

التطور الذي تشهده البشرية في رفاهية الاتصالات لم يسبق له مثيل في التاريخ. اذ تحول العالم على سعته الى قرية كونية صغيرة يعرف فيها الناس أخبار بعضهم ويسهل عليهم التواصل بين القارات ومجانا أو بأسعار أقرب إلى المجانية.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وهذه نعمة يقدر ثمنها أجيالنا الذي كان الاتصال عبر الهاتف الأرضي دوليا يكلف مبالغ باهظة ويكلف أيضا وقتا طويلا عبر الرسائل المكتوبة والبريد الجوي أو الأرضي رغم رومانسية المشهد وظلاله الحالمة. حولت ثورة الاتصالات حياتنا إلى أسهل وأقل قلقا عبر الأجهزة الذكية، التي تجعلنا نطمئن على بعضنا من خلالها، وأصبحت لها خصوصياتها وعالمها وتفاصيلها المؤذية أحيانا.

فكل نعمة تسير معها نقمة مضمرة تشي بالخطر، اذا لم يكن الإنسان متيقظا لها. فمن خلال الحسابات الوهمية وتطبيقات جديدة وحتى حسابات غير وهمية، برزت في الفترة الأخيرة تطبيقات التيك توك والتي تستهدف عرض آخر ما يحدث في العالم من حوادث غريبة واستثنائية من تغيرات الطقس إلى تطرفات المناخ وإلى الحوادث الأرضية أو البشرية التي تحدث في عالمنا اليومي. نجد هذه التطبيقات قد استغلت في العراق والبلاد العربية بطرق تكون أحيانا شائنة وبذيئة ومخدشة للحياء، ولا أدري من يقف خلف هذه الحالات الشاذة التي بدأت تغزو مجتمعنا وتنبئ بخطر كبير يجتاح منظومة التقاليد الطبيعية والكرامة الانسانية.

فظهور نساء أو رجال بأوضاع تشعرك أنهم قد تعاطوا مسكرا أو مخدرات أو شيئا مما يذهب العقل والتركيز، وتبدأ نماذج من نساء تحاول أن تكون قدوة غير مشرفة لاي إمراة بالعالم فما بالك في العراق الذي يرزح تحت كومة تقاليد والتزامات حرصت عليها الناس أن تكون هي التي تجعل من الأسرة والمجتمع أكثر تماسكا واحتراما، فتظهر بعض النساء تحديدا وقد امتلأت الوجوه بمكياج غير مستساغ وأشكال تم التلاعب بها للتقبيح في نظر الكثيرين، وليس التجميل. ولا أدرى أي ثقافة يتبعون بعد انتشار موضات الوشوم والنفخ والنحت، التي تفشت واسقطت الكثيرات تحت طائلة إغراء غير مستحب ومرفوض ذوقيا ونفسيا. وجموع وهم يصفقون لهذه وتلك وهي تستخدم اشارات وايحاءات وكلمات لا تستطيع اي ممثلة اباحية أن تخرج بهذا الصلف، لتدخل بيوت الناس وغرف النوم بثياب مستفزة وكلمات لا نستطيع الا أن نرتاب ويتسلل إلينا الخوف من هيمنة بنات الملاهي والليل على تصدير ثقافة القبول لهن في المجتمع، أو جعلهن الشخصيات التي تأخذ ترندات المواقع والمشاهدات.

لست ضد حقوق الإنسان أو حرية الإنسان لكن أن تكون حرا يجب ألا تخدش حرية الآخرين وإنسانيتهم، ولا أعرف ما هو السبب الذي يجعل الحكومة والجهات الرقابية على الإعلام ومواقع الإنترنت تصمت أمام موجة الانحطاط والسقوط، التي تظهر بكامل لا مبالاتها، وكأنها تتحداك ألا تفتح هذا الموقع أو غيره، اضافة إلى انشغال الملايين من العراقيين والعرب بمتابعة حمل تلك أو طلاق تلك، أو زواجها إلى حد وصلت تفاهة ورخص البعض إلى التلاسن على شبكات التواصل وتبادل الاتهامات وكشف المستور.

ثم تقلب صفحة أخرى لتجد أن ملايين الشباب والشابات منشغلون بمراجعة هذه الإعلامية أو من تدعي الفن والإعلام والثقافة منهن براء وبعيد، لتشغل متابعيها التافهين أيضا والمشجعين لها عن ذهابها لتسريح شعرها أو حملها، الذي حدث قبل الزواج. المشكلة في العراق كبيرة جدا وتدل على انفلات أخلاقي قد يجر الى انفلاتات اخرى ليس أقلها الجريمة وتحريض المتطرفين والقتلة او ترويج هذه النماذج، بعد تدني الوعي وشيوع موجات غريبة من الفكر المتطرف بكل أشكاله ان تكون هذه النماذج هدفا سهلا للقتل ايضا. بعد أن كانت الكثيرات منهن هدفا سهلا لتجارة الجنس والبشر والجسد. والاعلام الرخيص والفضائيات المشتغلة بالمال المسروق من لقمة العراقيين الفقراء. نحن لا ندعي أننا ضد الحريات، بل ضد البذاءة وجر الجيل الجديد، بعيدا نحو عالم خاو وتافه وقد يصبح في يوم ما أن ما تقوم به هذه النماذج ثقافة لدى الكثيرين، وتتم استباحة أشياء كثيرة لا نريد لها أن تتفشى في مجتمعنا، بحجة التغيير والديمقراطية والحريات والخصوصية.

يجب أن تكون هناك متابعة حقيقة من قبل دوائر الأمن المجتمعي في الحد من هذا الظهور، الذي يسيء بالدرجة الأولى لنا كمجتمع متحضر وملتزم ويسيء أيضا لمكانة المرأة، التي تجعل من الآخر الرافض لهذا الوضع متطرفا وعنيفا في الحفاظ على بناته، سواء كان أخا أو أبا، وهو يشاهد هذه الشناعات، التي تظهر بها بعض بنات الليل وهي تتكلم بلسان عراقي مبين ذلك يدخل الرعب في النفوس، ويثير المخاوف لدى أي أسرة تريد الحفاظ على بناتها أو أولادها من طيش وانحلال تظهر به المدعية بكامل صلافتها وقبحها، ولحظتها سنقع في المحظور وسيصبح الممنوع مرغوبا، بينما ممكن حجز هذه المواقع ومراقبتها قبل خروجها للعلن، مثلما يحدث في كل دول الجوار، من دون أن نجعل من هذه النماذج الشاذة في يوم ما ضحية لمجتمع قد يتنمر عليها او يستدرجها لتسقط اكثر واكثر، او تكون ضحية لمتطرف وقاتل مأجور، نحن نؤمن بالمجتمعات الحرة، ولكن الحرة في الحفاظ على قيمتها ومعناها الانساني وانشغالها بالمعرفة والابتكار، وبناء المجتمع بناء أخلاقيا صحيا لا يخرج من عباءته الانسانية، ويصبح تحت نير غرائزه الحيوانية التي صار ظهورها للعلن موضة لا نرغب ولا نتقبل استمرارها والسكوت عنها.

الصباح