منهج صناعة ’العلماء’.. الحوزة العلمية لا تلقّن طلبتها

هل تهتم الحوزة العلمية بالقرآن الكريم كما يهتم به الأزهر في مصر؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

أولاً: لابد من الإشارة إلى التنافس بين المراكز العلمية الإسلامية حول الاهتمام بالقرآن الكريم أمر مطلوب، كما أن التواصل فيما بينها والاستفادة من الخبرات والمناهج الدراسية يخدم المشروع القرآني في الأمة، فالقرآن الكريم ليس كتاباً خاصاً بجماعة أو بمذهب دون غيره من المذاهب، وإنما هو الكتاب الذي يجتمع حوله جميع المسلمين، وعليه تعدد المؤسسات المهتمة بشأن القرآن يصب في خاتمة المطاف في مصب واحد، وهو أعلاء شأن القرآن، ولذا من المعيب أن يتحول هذا التنافس إلى صراع غير نزيه هدفه إضعاف مراكز القوة في الأمة الإسلامية، ومع الأسف هناك بعض المواقع الحوارية وبعض العقليات الطائفية تهاجم الحوزات العلمية بغرض التقليل من شأن خدماتها للقرآن الكريم، مع أن الانصاف يقتضي الإشادة بمواقع القوة، والتنبيه بمواطن الضعف بهدف تداركها، طالما كان الاهتمام بالقرآن يشكل هماً مشتركاً، إلا أن هذه العقليات لا تنطلق من واقع الحرص على القرآن، بل كل هدفها هو ضرب المشتركات من أجل المزيد من الفرقة والشتات، ومن هنا لا يسعنا إلا الإشادة بمجهودات الازهر في ما يتعلق بالقرآن الكريم، وفي نفس الوقت ندعو الحوزات إلى مزيد من الجهد والاهتمام في ما يتعلق بالقرآن الكريم.

ثانياً: لابد من ذكر ملاحظة مهمة في ما يتعلق بالدراسات المرتبطة بالقرآن الكريم، فمن حيث المبدأ يمثل الاهتمام بالقرآن تكليفاً لجميع المكلفين، ولذا لم يستثني القرآن أحد من ضرورة قراءته والتدبر في آياته، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وقال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، ومن أجل تمكين الجميع من ذلك جاء القرآن ميسراً للذكر، حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، فالقرآن من هذه الناحية ليس له سقفاً يمكن الوقوف عنده، وإنما بابه مفتوح للاستلهام منه كل بقدره وطاقته، ومن هذه الناحية لا يمكن اعتماد تفسيرات محددة بوصفها الحقيقة النهائية التي يجب على الجميع دراستها، فمهما كان فضل العالم ومنزلته العلمية لا يمكن أن يدعي أن تفسيراته هي خاتمة المطاف ونهاية المأمول، ومن هنا كان من الطبيعي أن ينشغل جميع العلماء بالقرآن بوصفه تكليفاً يرتبط بانتمائه الخاص بالإسلام، ولذا لا نكاد نجد عالماً شيعياً لم تكن له اهتمامات خاصة بالقرآن الكريم، سواء كان حفظاً أو تدبراً أو استدلالاً بآياته في مباحثه الفقهية والعقائدية، وقد ظهر ذلك جلياً في الكم الكبير لتفاسير علماء الشيعة المشهورة وغير المشهورة، مضافاً لكثير من البحوث القرآنية المتخصصة في شتى المجالات الفقهية والعقائدية والفكرية والتربوية وغير ذلك، والذي يقف على تفسيراتهم واستدلالاتهم القرآنية سيعترف بفضلهم وعلمهم ودقتهم في استلهام معاني القرآن الكريم، وعليه فإن الحوزة تقوم بتدريس الطالب المعارف والمناهج التي تمكنه من القيام بدوره وتكليفه في فهم القرآن والتدبر في آياته، وهذه هي طبيعة الدروس الدينية حيث لا تقوم بتلقين الطالب معارف جاهزة وإنما تملكه الأدوات ومن ثم يأتي دوره في انتاج المعرفة، ومن هنا لا يمكن وضع القرآن نفسه كنهج دراسي لعدم وجود معارف قرآنية تشكل منجز نهائي لمعارف القرآن، وكل ما يمكن منحه للطالب هو مقدمات العلوم وادواته المنهجية.

ثالثاً: لابد أن نفرق بين علوم القرآن وبين القرآن نفسه، فعلوم القرآن هي البحوث التي تهتم ببعض المسائل المتعلقة بالقرآن الكريم مثل أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وغيرها من المسائل، وكل ذلك يتعرض له طالب العلوم الدينية خلال مناهجه الدراسية سواء كان بشكل مباشر أو من خلال وجوده في البحوث الفقهية والاصولية، وقد اهتمت الحوزة العلمية وبخاصة في مدينة قم بإيجاد تخصصات في علوم القرآن إلى مرحلة الدكتوراه.

رابعاً: الحفظ بشكل عام ملكة تخضع للتكرار والممارسة والتجربة، وهو امر متاح ومتيسر حتى للطفل الصغير والشيخ الكبير، ولا يتوقف على إيجاد منهج دراسي داخل الحوزة، وهذا خلاف طبيعة العلوم والمعارف التي تحتاج إلى الدرس والتفهيم، ولذا نجد أن الشيعة اسسوا مراكز خاصة لتحفيظ القرآن سواء كانت تابعة للحوزة أو بعيدة عنها، فليس بالضرورة أن تقوم الحوزة بهذا الدور طالما إمكانية ذلك متوفرة في المدارس والمعاهد والمتخصصة في ذلك، والمتابع لمثل هذه المراكز في المحيط الشيعي سوف يقف على اهتمام منقطع النظير، حتى اصبح التنافس في حفظ القرآن من الادبيات الرائجة في المجتمعات الشيعية.

خامساً: يبدو من سؤال السائل أنه يتمنى أن يكون المشايخ والعلماء حفظة لكتاب الله مضافاً إلى حفظ النصوص الرواية، وهذه أمنية جميلة وشعور طيب، إلا أن الحفظ ليس شرطاً في علم العالم، وإنما الدراية والفهم هي التي يشترط توفرها فيه، فحديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، ويعد هذا الامر مسلمة عند جميع المسلمين سنة وشيعة، فلم نرى من يضع الحفظ شرط لعلم العالم، ولذا يفرقون بين الحافظ وبين العالم، فقد يكون الحافظ جاهلاً وقد يكون العالم غير حافظ، ومن القصص التي تنقل في هذا الشأن أن طالباً جاء لشيخه وهو فرح بانه حفظ صحيح البخاري، فقال له شيخ فماذا فعلت غير أنك زدت البخاري طبعة أخرى، ونحن هنا لا نقلل من أهمية الحفظ فكل زيادة تعد أمراً إيجابياً وإنما نتحدث عن علاقة ذلك بالعلوم الدينية، ولله الحمد في هذا العصر أصبحت النصوص متوفرة ويحملها الإنسان معه على جهاز الموبايل ويمكنه الرجوع إليها في أي وقت وفي أي مكان حتى وإن كان على المنبر.

سادساً: ليس من ضمن مقررات الازهر حفظ القرآن للطلبة، وإنما هناك قسم خاص للحفظ أو هناك بعض التخصصات التي تفرض على الطالب حفظ بعض الأجزاء، وعليه ليس كل من يتخرج من الازهر حافظ للقرآن، ومن يكون منهم حافظاً يكون قد حفظه بمجهوده الشخصي ورغبته الخاصة.